لندن- لا يدخر اليمين المتطرف البريطاني جهدا لتثبيت سرديته القائلة إن البلاد تتم سرقتها من الأجانب وتشهد تغييرا ديمغرافيا لصالح المهاجرين من أصول مختلفة، وذكر السياسي “الشعبوي” نايجل فرج، في تغريدة أن السكان “البيض” لم يعودوا يشكلون الأغلبية في 3 أكبر مدن في البلاد وهي مانشستر ولندن وبيرمنغهام.

وقال فرج، في تغريدته، إن مصدر معلوماته هو المكتب الوطني للإحصاء (ONS)، واعتبر أن ما يحدث هو “تغيير ديمغرافي” في البلاد، ليتناقل الخبر عدد من وسائل الإعلام البريطانية المحسوبة على اليمين واليمين “الشعبوي”.

والهدف من تداول هذه المعلومة هو الترويج لأفكار مناهضة للمهاجرين، ودق ناقوس خطر بأن البلاد “تضيع من بين أيدي البريطانيين لصالح إثنيات وعرقيات أخرى”، لولا أن التدقيق في الأرقام يقول غير ذلك.

ماذا تقول الأرقام؟

حسب أرقام الإحصاء الوطني البريطاني الذي تم إجراؤه سنة 2021، فإن مدينتي لندن وبيرمنغهام، تعرفان تحول “البيض البريطانيين” إلى أقلية في المدينة، كما أن لندن هي المدينة الأكثر تنوعا في كل البلاد.

وتظهر بيانات المكتب الوطني للإحصاء أن أعداد السكان “البيض البريطانيين” في بيرمنغهام بلغت 581 ألف شخص سنة 2011، ما يشكل 52% من مجموع سكان المدينة، ثم تراجع هذا الرقم إلى 491 ألف شخص عام 2021 أي بنسبة 43% من جملة سكان بيرمنغهام.

في المقابل، تراجع عدد السكان “البيض البريطانيين” في لندن من 4.9 ملايين شخص سنة 2011، إلى 4.7 ملايين شخص عام 2021، وباتوا يشكلون 37% من سكان العاصمة البريطانية.

وكشفت الوكالة الوطنية للإحصاء، أن أعداد الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم “بيض” في بريطانيا وويلز، تراجعت إلى 500 ألف شخص خلال الفترة ما بين 2011 و2021، وتراجعت نسبة البيض في البلاد من 86% خلال سنة 2011 إلى 81.7% خلال 2021.

تلاعب

هذه الأرقام تلقفها عدد من الجمعيات المناهضة للمهاجرين للترويج لفكرة التغيير الديمغرافي، مثلما فعلت مؤسسة “مراقبة الهجرة” (Migration Watch) البريطانية، التي قالت في بيان لها إن “الإحصاء يظهر تزايد التغيير الديمغرافي الكبير بسبب الأعداد الكبيرة للمهاجرين في بريطانيا وويلز”.

وإن كان السكان “البيض” أصبحوا أقلية بالفعل في مدينة بيرمنغهام (ثاني أكبر مدينة في بريطانيا)، فإن الأمر لا ينطبق على كل من لندن ومانشستر، وذلك لأن اليمين المتطرف البريطاني “يحاول التلاعب بالإحصائيات”.

والواقع أن الأرقام التي يتحدث عنها اليمين المتطرف تتعلق فقط “بالبيض البريطانيين”، وليس “البيض” بصفة عامة الذين ما زالوا أغلبية في جل المدن البريطانية وفي عموم البلاد بأكثر من 80% ويتركزون خاصة في الشمال.

ولا يشمل توصيف “البيض البريطانيين” مجموعات أخرى تضمنها الإحصاء وهي من البيض أيضا، من آسيا أو من أوروبا وحتى من أسكتلندا وهؤلاء خصوصا، جزء كبير منهم لا يمكن أن يعرّفوا أنفسهم بأنهم “بريطانيون”.

وحسب معطيات المكتب الوطني للإحصاء، فإن البيض الذين قالوا إنهم ينحدرون من المملكة المتحدة يبلغ عددهم 44.4 مليون شخص وهو ما يشكل 74.4% من مجموع سكان البلاد، وهو ما يجعل من غير المقبول أن يصبح السكان البيض أقلية في المدن الكبرى بالبلاد.

وأكثر من ذلك، فإن أكبر ارتفاع ديمغرافي كان في أعداد الناس الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم “بيض” من أصول غير بريطانية، وأظهرت نتائج إحصاء سنة 2021 أن عدد “البيض غير البريطانيين” ارتفع إلى 3.7 ملايين شخص مقارنة بحوالي 2.5 مليون شخص بزيادة 4.4% خلال 10 سنوات.

استثناء

وتبقى مدينة بيرمنغهام هي الاستثناء، حيث لم يكن السكان البيض فيها أغلبية لأسباب تاريخية واقتصادية، ذلك أن هذه المدينة كانت تعتبر القلب الصناعي لبريطانيا، قبل أن يتم نقل الكثير من الصناعات إلى الشمال ليضطر عشرات آلاف العمال إلى الانتقال إلى هناك رفقة أسرهم، ولا يتعلق الأمر بتغيير ديمغرافي.

أما بالنسبة لمدينة مانشستر، فإن السكان البيض سواء كانوا بريطانيين أو غير بريطانيين يشكلون أكثر من 50% من سكان المدينة، والأمر نفسه في لندن حيث يشكل السكان البيض حوالي 53% من مجموع السكان بالعاصمة.

وبذلك، يظهر أن اليمين المتطرف “استغل جزئية التمييز بين البيض البريطانيين والبيض بصفة عامة، للهجوم على المهاجرين والحديث عن التغيير الديمغرافي المزعوم الذي تعرفه بريطانيا”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version