قالت صحيفة لاكروا الفرنسية إن حظر ما يسمى بالعباءة في المدارس يدعو إلى بعض التفكير عندما ينظر إليه على المدى الطويل في العلاقات بين الجمهورية والمسلمين، ورأت فيه علامة فارقة في الحملة التي انطلقت ضد “الإسلاموية” بعد اغتيال الأستاذ صموئيل باتي عام 2020، وهي ديناميكية متعددة الأوجه، إدارية ومؤسساتية وفكرية.

وأوضحت الصحيفة -في مقال للباحث في العلوم الإسلامية أوليفييه هان- أن حظر العباءة في المدرسة معركة سيتم كسبها في الممارسة العملية، ولكنه فشل للمجتمع ومؤشر على ديناميكية التباعد بين المواطنين المسلمين والمؤسسات التي يُنظر إليها على أنها غير عادلة.

تناقض

ورأى الكاتب أن المعركة ضد العباءة محسومة مسبقا لعدم تكافؤ الوسائل، وليس لدى الفتيات اللاتي يغريهن هذا الثوب سوى خلع ملابسهن أو مغادرة مؤسستهن والانضمام إلى المدارس الدينية القليلة أو التعلم بالمراسلة، وبالتالي وكأن مجتمعنا المعاصر لا يقع في التناقض عندما يتغنى بالشباب والنساء وحرية التعبير عن الذات ويستبعد في نفس الوقت الفتيات اللاتي لا يتبعن قواعد الترفيه.

غير أن هذه المعركة إن تم كسبها على أرض الواقع -حسب الكاتب- تبقى خاسرة قانونيا وأخلاقيا، لأن العباءة أو أي لباس يشبهها تدخل الجمهورية في ذاتية خطيرة، لأنها بالفعل قد تمثل ثوبا يلبي متطلبات لباس المرأة وفقا لتفسير الفقه الحنبلي إذا كان مصحوبا بالقفازات وحجاب الرأس، ولكن بما أن هؤلاء الفتيات غير محجبات في مؤسستهن فإن ملابسهن تفقد طابعها الشرعي، وإذا استمرت المؤسسات في اعتبارها لباسا دينيا، حتى لو لم تعد كذلك بالفعل حسب التفسير الإسلامي، فذلك يعني أن وراء الأمر هدفا ما.

وهذا التصنيف -حسب المحامي رفيق شكات بموقع أوريان 21- يخدم أغراضا أخرى، فهو يغذي الذعر الأخلاقي حول مظاهر الوجود الإسلامي، ويدعو السلطات إلى ردّ الفعل على ظاهرة يمكننا الآن قياسها وإدانتها، وبالتالي كبحها.

ملابس “سياسية”

ويبدو أن الحل الآخر الذي تختاره الجمهورية هو جعل العباءة ثوبا حسب الوجهة، يحدد المراقب التربوي هل هو ديني أو غير ديني، وفقا لمعايير يجب تحديدها بوضوح مع أنها ستظل موضع شك تماما، ما لم يتم استدعاء علماء الدين.

والأكثر إثارة للقلق، هو أن بعض المعلقين أضافوا -بسبب ربط العباءة بالإسلام السياسي- إلى فكرة الملابس الدينية بالقصد، فكرة الملابس السياسية بالوجهة، وبالتالي فإن هؤلاء الفتيات مهما كانت أفكارهن، يمثلن عناصر فاعلة في الهجوم الإسلامي، خاصة هجوم الإخوان المسلمين الذي لا يعرفن عنه شيئا، لأنهم من حيث الوجهة لا من حيث النية أو الموضوعية، يفضلن الإسلاموية ويشكلن جزءًا من مشروع سياسي مناهض للجمهورية لا يزال يتعين إثباته حسب الكاتب.

ونبه الكاتب إلى أن مثل هذه التطورات في المفردات تثير القلق بالنسبة للمستقبل، إذ إنه قد يتعين علينا قريبا التحقق من بعض اللحى، وتمييز لحى السلفيين عن لحى الهيبستر، وهل يستمعون إلى موسيقى الراب أو الأناشيد؟ وبالتالي لا يمكن لقناعاتنا الجمهورية أن تستند إلى حجة قوية وأخلاقية وعادلة يمكن الدفاع عنها قانونيا، خاصة أن الديناميكية التي شرعنا فيها فيما يتعلق بالمسلمين تبدو قابلة للمقارنة بشكل فريد مع تلك التي اتخذتها الجمهورية الثالثة بعد عام 1905 ضد الكاثوليك.

وفي هذا السياق، يشير الفيلسوف جان فابيان سبيتز -في مقال بموقع أوريان 21- إلى أن “فكرة الملابس الدينية في حد ذاتها فكرة سخيفة، لأن الجمهورية العلمانية لا توجد فيها ملابس إسلامية أو يهودية أو مسيحية”.

ورأى أن قانون 2004 لحظر الرموز أو الملابس التي يظهر من خلالها الطلاب علنا انتماءهم الديني، وتفسيره الصارم من قِبَل مجلس الدولة هو الذي يشكل جوهر المشكلة، من خلال مطالبة العاملين في التعليم العام باستمرار بفك رموز الانتماء الديني للطلاب.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version