الخرطوم- اعتبر مراقبون أن تكليف رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان 4 من أعضاء المجلس بالإشراف على الوزارات، “هروبا إلى الأمام”، وتراجع عن تشكيل حكومة جديدة في المرحلة الحالية تجنبا للانقسام والاستقطاب السياسي.

وأصدر البرهان قرارا بوضع الوزارات وبعض الهيئات الحكومية وبنك السودان المركزي والنيابة العامة والمراجع العامة للدولة تحت إشراف أعضاء المكون العسكري في مجلس السيادة، ونائبه مالك عقار، واستبعد من التكليف عضوي المجلس الهادي إدريس والطاهر حجر.

وكلف القرار مالك عقار بالإشراف على وزارات الطاقة والنفط، والتربية والتعليم، والتنمية الاجتماعية، والتعليم العالي، والصحة، والثقافة والإعلام، والشباب والرياضة والشؤون الدينية والأوقاف.

وأسند إلى شمس الدين كباشي، الإشراف على وزارات شؤون مجلس الوزراء، والخارجية والداخلية والحكم الاتحادي والمعادن والعدل والري والموارد المائية.

وكُلف ياسر العطا بالإشراف على وزارات الدفاع والمالية والتخطيط الاقتصادي وبنك السودان المركزي والنيابة العامة وديوان المراجع العام.

وتم تكليف إبراهيم جابر، بالإشراف على وزارات الثروة الحيوانية والزراعة والتجارة والتموين والصناعة والاستثمار والتعاون الدولي والاتصالات والنقل.

البرهان يكلف أعضاء في مجلس السيادة بالإشراف على الوزارات والهيئات الحكومية

تحالف وإطاحة

وقال مسؤول في رئاسة مجلس الوزراء للجزيرة نت إن قرار إشراف أعضاء مجلس السيادة على وزارات السلطة التنفيذية، صدر عقب انقلاب البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021، على شركائه في تحالف قوى الحرية والتغيير، وأطاح بحكومة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك.

وعزا المسؤول -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- عدم تكليف “إدريس” و”حجر” إلى عدم مباشرة مهامهما في مجلس السيادة، وغموض موقفهما إزاء الحرب الذي فُسر انحيازا إلى الدعم السريع بعد جولتهما في زيارات إلى دول مجاورة ضمن وفد من تحالف قوى الحرية والتغيير.

وكان البرهان، كلف في منتصف يناير/كانون الثاني 2022 وكلاء الوزارات بمهام الوزراء بعد حل حكومة حمدوك، وأبقى على الوزراء الذين يمثلون الفصائل المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في السلطة في (6 وزارات).

وقال مالك عقار في وقت سابق إن البرهان سيشكل حكومة تصريف أعمال تتولى مهامها من مدينة بورتسودان شرقي السودان، وردا على ذلك هدد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو بإجراء مشاورات لإعلان السلطة في الخرطوم حال إقدام قائد الجيش بتسمية وزارة جديدة.

حكومة حرب

ويرى وزير الإعلام السابق أحمد بلال عثمان أن تكليف البرهان أعضاء مجلس السيادة بالإشراف على الوزارات خطوة إيجابية تؤدي إلى تقوية أداء الحكومة التي تشهد ضعفا في أدائها خصوصا وزارات القطاع الاقتصادي (المالية والزراعة والمعادن والنفط والطاقة) ووزارة الخارجية.

وفي حديث للجزيرة نت يعتقد عثمان أنه لا داعي لتشكيل حكومة جديدة في الوقت الحالي لتجنب الاستقطاب والصراع السياسي، ويمكن أن يتم التوافق على حكومة مدنية بعد وقف الحرب لقيادة البلاد خلال فترة انتقالية قصيرة وإجراء انتخابات عامة.

ويوضح أن المرحلة الحالية فترة حرب، وتكليف أعضاء مجلس السيادة بالإشراف على الوزارات أمر طبيعي باعتبار أن المجلس هو المشرف على الأداء العسكري والتنفيذي خلال فترة الحرب، وسيؤدي ذلك إلى التنسيق بين الجهازين السيادي والتنفيذي.

ويضيف أن مراحل الحكم السابقة شهدت توزيع الوزارات على 4 قطاعات هي السيادي والاقتصادي والخدمي والاجتماعي، ويشرف وزير على كل قطاع لإحكام التنسيق ومتابعة تنفيذ الخطط وتجويد الأداء، ويقدم كل رئيس قطاع تقارير منتظمة إلى رئيس الوزراء أو رئيس الدولة في النظام الرئاسي.

 

سلطة بدون حكومة

وفي المقابل يرى مستشار قائد قوات الدعم السريع الباشا محمد طبيق أن البرهان ليس لديه شرعية دستورية أو قانونية لتشكيل حكومة أو إصدار أية قرارات وكل ما يفعله هو في حكم الأمر الواقع.

ويقول طبيق للجزيرة نت، إنه لا توجد حكومة بالمفهوم التقليدي، وإنما هناك تكليف لبعض وكلاء الوزارات، ولا يتمتعون بأي مشروعية دستورية، ويشرف عليهم البرهان، وبالتالي هي سلطة أمر واقع وإشراف أعضاء المكون العسكري في مجلس السيادة على الوزارات هو تشكيل حكومة عسكرية بطريقة غير مباشرة.

ويعتقد أن البرهان ظل يراوغ حتى لا يسلم السلطة إلى حكومة مدنية، وأنه استبعد اثنين من أعضاء مجلس السيادة المدنيين من الإشراف على الوزارات (الهادي إدريس والطاهر حجر) وكلف عقار؛ لأن قواته تقاتل إلى جانب الجيش.

ويضيف أن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” قادر على تنفيذ تلويحه بتشكيل حكومة في الخرطوم؛ لأن قواته تسيطر على أكثر من 90% من الولاية، ولكنه لا يريد الانقسام، ويسعى إلى حكومة مدنية موحدة، بينما قائد الجيش لا يهمه الأمر، حتى لو وصلت البلاد إلى مرحلة الانقسام السياسي على غرار ليبيا واليمن، وفق قوله.

هروب للأمام

وفي الشأن ذاته اعتبر المحلل السياسي محمد لطيف خطوة البرهان “هروبا إلى الأمام” وقطع الطريق أمام المطالبين بتشكيل حكومة جديدة، ولن يكون لديها تأثير مباشر على أداء الوزارات وتطويرها أو دفعها ليكون لها دور فاعل لمواجهة الأوضاع الراهنة، كما أنها تعد “عسكرة للجهاز التنفيذي”.

ويرى لطيف -في حديث للجزيرة نت- أن ثمة أسبابا تحاصر البرلمان وتمنعه من تشكيل الحكومة، أبرزها أن تشكيل حكومة في بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر تعد هزيمة له مع جدل طرفي القتال بأنهما يسيطران على ولاية الخرطوم، وإذا أقدم على تسمية سلطة مقرها في خارج عاصمة الدولة، فهذا اعتراف بأنه لا يسيطر عليها.

ويوضح أن السبب الآخر هو أن البرهان أدرك أن الجهات التي دفعته للانقلاب على حكومة حمدوك، وتحرضه على الحرب حاليا ليس لديها سند شعبي وقوة مؤثرة في الشارع، وإذا شكل حكومة فستكون ضعيفة ولن يكون لها سند سياسي.

ويضيف لطيف أن الوزارة المكلفة تضم ممثلي “حركة تحرير السودان” بقيادة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي و”حركة العدل والمساواة” بزعامة وزير المالية جبريل إبراهيم اللذين أعلنا الحياد بشأن الحرب.

وتساءل لطيف “في حال تشكيل حكومة جديدة، هل سيتم إعادة تعيين ممثلي الحركتين (مناوي وإبراهيم) في السلطة؟ وإذا تم استبعادهما، فإن ذلك سيدفعهما للانحياز إلى الجانب الآخر، وبالتالي يتوجب على البرهان الإبقاء على الوضع الحالي”.

ويشير إلى أن تكليف أعضاء مجلس السيادة بالإشراف على الوزارات يخالف الوثيقة الدستورية التي لم تمنح المجلس أي سلطة تنفيذية، كما تبرز قضية أخرى مرتبطة برئيس الوزراء المكلف، فهل يشرف أعضاء المجلس على الوزارات أم يتم تجاوزهم والتعامل مباشرة مع الوزراء؟

ويشير المحلل السياسي إلى أن اثنين من أعضاء مجلس السيادة هما نائب القائد العام للجيش شمس الدين كباشي ومساعد القائد العام ياسر العطا يقودان العمليات العسكرية في الخرطوم، ولن يتمكنا عمليا من ممارسة الإشراف على الوزارات التي توجد في بورتسودان شرق البلاد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version