البقاع– أدت الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان في الجنوب والبقاع الغربي إلى القضاء نهائيا على مواسم زراعية متنوعة أهمها الزيتون والزيت، بعدما سويت بالأرض قرى بأكملها خاصة تلك المتاخمة للحدود اللبنانية – الفلسطينية، فضلا عن سقوط مئات الشهداء والجرحى المدنيين، وتدمير منازل ومنشآت عامة ومرافق اقتصادية وبُنى تحتية.

وكان موسم الزيتون -الذي يشكل مصدر رزق أساسي لأكثر من مئة ألف عائلة جنوبية في أوقات السلم- يسهم بتوفير فرص عمل موسمية لآلاف العمال الذين يعملون على قطفه، أو يشتغلون في معاصر الزيتون المنتشرة في المنطقة.

وبالإضافة إلى قيمته الاقتصادية داخليا، كان موسم الزيتون يسهم في تحسين وضع صادرات البلاد عبر تصدير كميات كبيرة من الزيت والزيتون إلى الخارج لتأمين حاجات اللبنانيين المغتربين المنتشرين في الدول العربية والأميركيتين.

يقول مختار بلدة “سحمر” في البقاع اللبناني ياسر الخشن، إن “الاعتداءات الإسرائيلية الجارية دمرت مساحات واسعة من بساتين الزيتون في سحمر وقرى البقاع الغربي والجنوب، وما سلم من التدمير والتخريب جراء القصف، التهمته حرائق سببتها قنابل فوسفورية استخدمها العدو على نطاق واسع منذ بداية العدوان على لبنان في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، “الأمر الذي أخرج آلاف أشجار الزيتون المعمرة والحديثة عن سكة الإنتاج لسنوات قادمة”.

خسائر لا تعوض

ويوضح الخشن في حديث للجزيرة نت، أن بساتين الزيتون في الجنوب والبقاع الغربي تشكل نحو 28% من إجمالي المساحات المزروعة بأشجار الزيتون في لبنان، بحسب دراسات لجمعيات زراعية متخصصة في الجنوب.

ويتحدث مختار بلدة سحمر عن احتراق وتدمير نحو 6 آلاف شجرة زيتون مع تجهيزات ومنشآت لخدمة بساتين الزيتون في الجنوب والبقاع الغربي، منها 4 آلاف و700 شجرة زيتون معمرة بحسب أرقام وزارة الزراعة، مضيفا أن “الأضرار كبيرة في كل الجنوب خاصة في بلدات دير ميماس، وبلاط، وبرغز، وإبل السقي، ومرجعيون، والنبطية، وسحمر، والدلافة، وقليا، وزلايا، ولبايا”.

وفي بلدته، أشار المختار إلى وقوع خسائر كبيرة ومدمرة، “وهي التي تعتبر نموذجا عما أصاب هذا القطاع في كل قرى الجنوب، ولا أمل بتعويضها قبل أن تضع الحرب أوزارها والعودة إلى بيوتنا وأرزاقنا. وتلك مسألة لا نعلم متى يحين أوانها”.

في موازاة هذا الواقع، يسارع أصحاب البساتين والحيازات الزراعية الصغيرة في القرى الواقعة إلى الشمال من المناطق المستهدفة بالاعتداءات الإسرائيلية إلى قطف الزيتون، خاصة في بعض بلدات البقاع الغربي مثل حاصبيا وراشيا، وجب جنين، والقرعون، وبعلول، وغيرها، تحسبا لمصير مشابه لمصير بلدات الجنوب.

ويقول المزارع جمعة عيسى من بلدة القرعون إن عشرات المزارعين بدؤوا بقطف الزيتون قبل أوانه تحسبا لتطورات الوضع الميداني واتساع رقعة الاعتداءات نحو منطقتنا.

ويضيف عيسى في حديث للجزيرة نت “سارع كثير من أصحاب البساتين إلى فرط (قطف) الزيتون، لكن الكميات متواضعة جدا قياسا بالفترة ذاتها من العام الماضي”.

ويلفت إلى وضع مماثل إلى الجنوب أكثر في البساتين المتاخمة للمناطق الساخنة، إذ لم يتجرأ أصحابها أو”الفرّيطة” بلغة المزارعين على العمل فيها خوفا من قصف مفاجئ، لا سيما وأن طائرات الاستطلاع والطائرات الحربية المعادية تحلق عل مدار الساعة في سماء المنطقة.

ويتخوف عيسى من أن الكميات القليلة من ثمار الزيتون في البقاع الغربي لن تجد طريقها إلى التصريف في الخارج، فإمكانية الشحن دونها صعوبات كثيرة.

وبخصوص الصعوبات، تحدث عيسى عن ارتفاع تكلفة اليد العاملة التي بلغت ضعفي ما كانت عليه العام المنصرم، فالعامل الماهر يتقاضى 20 دولارا يوميا، علما أن بستانا يضم 500 شجرة زيتون يحتاج لأكثر من عشرة عمال يوميا على مدى أسبوع أو أكثر كي ينجَز قطافه، ناهيك عن ارتفاع تكلفة عصر الزيتون في المعاصر التي لامست 10 سنتات للكيلوغرام الواحد، إضافة لتكلفة التحميل والنقل.

غسل الزيتون قبل العصر

تهديدات مدمرة

بدوره، تحدث اللبناني علي وهبي، من مزارعي لبايا ومرج الزهور، عن تعرضهم لخسائر هائلة نتيجة انتهاء الموسم على خلفية التهديدات الإسرائيلية.

وقال إن “التهديدات الإسرائيلية لجميع أصحاب البساتين في لبايا وجوارها تحذرهم من التواجد في البساتين، مما يعني أن قريتنا حرمت من إنتاج ما يقارب 120 ألف شجرة زيتون، وإذا ما أضفنا إلى هذا الرقم ما يقارب 300 ألف شجرة جنوب قرية مرج الزهور وفي مشارف حاصبيا نكتشف حجم الكارثة التي حلت بنا”.

ويخشى وهبي “من أن يكون مصير مئات بساتين منطقتنا كمثيلاتها في الجنوب، مما يعني ضربة اقتصادية قوية للمزارعين وذوي الدخل المحدود ولمئات العائلات التي ليس لديها مصدر رزق آخر”.

بدوره، يقول طارق صفا عيسى، صاحب معصرة زيتون في القرعون “حتى اليوم لم نستقبل سوى عشرة أطنان لعصرها، وهي كمية متواضعة جدا إذا ما قورنت بـ600 طن نستقبلها في معصرتنا كل موسم”.

ويضيف “رغم مسارعة المزارعين للفرط المبكر فإن صعوبات تأمين عمال، معطوفة على خوف مشروع من الوضع الأمني، جعلت كميات الزيتون قليلة، ولكننا نتوقع أن تبدأ بالازدياد خلال الأسبوع المقبل إذا لم تحدث مفاجآت ليست في الحسبان”.

ويأسف عيسى للخسائر التي حلت بقطاع معاصر الزيتون في الجنوب والبقاع الغربي، ويشير إلى “استهداف العدو الإسرائيلي لمعاصر زيتون في سحمر ويحمر حيث دُمر بعضها بالكامل، كما أصيب العشرات منها في الجنوب بأضرار أخرجتها عن العمل، رغم أنها مقفلة منذ أشهر بسبب العدوان”.

ويلفت إلى “أن ما تبقى لخدمة البقاع الغربي والأوسط لا يتجاوز 7 معاصر تواجه مخاطر يومية بفعل الاستهدافات الإسرائيلية”، معبرا عن أمله في أن يتمكن أصحاب البساتين والحيازات في القرى الممتدة من القرعون إلى مجدل عنجر ومن عيتنيت إلى زحلة من جني محصولهم قبل حدوث تطورات غير محمودة.

ويجزم طارق عيسى أن “إنتاج لبنان من الزيتون والزيت سيتأثر سلبا هذا العام، إلا إن ذلك لا يعني فقدان مادة الزيت مثلا، لا سيما أن مزارعي مناطق الشمال اللبناني وجبل لبنان يعملون على جني محصولهم بشكل طبيعي، وهذا أمر إيجابي”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version