من دون أن تطلق رصاصة واحدة، تمكّنت إسرائيل في دقائق معدودة يومي17 و18 من سبتمبر من إصابة نحو خمسة آلاف من العناصر والقيادات التابعة لحزب الله، بينهم مئات الإصابات الحرجة، فيما قتل نحو 30 آخرين.

وكان يوم (الثلاثاء) 17 سبتمبر، بداية الحرب الإلكترونية التي نفذتها إسرائيل على عدة مراحل، واعتقد المراقبون أن العملية انتهت بتفجير أجهزة (البيجر)، فتوجهت الأنظار إلى الصفقة التي تمّت قبل ثلاثة أشهر والخروقات الأمنية التي طالتها، إلا أنه في اليوم التالي (الأربعاء) حدث ما لم يحسب له حزب الله مجدداً أي حساب، إذ ضربت إسرائيل مرة ثانية بتفجير الأجهزة اللاسلكية المحمولة باليد، ليعلق بعدها أحد قادة إسرائيل العسكريين بقوله: «إنها افتتاحية الحرب الشاملة».

الاختراق الإلكتروني، لا شك أنه كبير في حجمه وفي أبعاده بفعل المفاجأة والغموض الذي اكتنف العملية الأمنية الأخطر التي تعرض لها (حزب الله) منذ عقود، سواء في حرب الإسناد، أو خلال الحروب الأيديولوجية التي خاضها، أضف إلى ذلك أنها من العمليات الاستثنائية التي ستضع الحزب هذه المرة في خيار بين أمرين؛ إما الرد المناسب والذهاب إلى الحرب التي تتجهز لها إسرائيل، وإما التراجع والخروج من (الطوفان)، ولأي من الخيارين تبعات وأثمان باهظة جداً سياسياً وعسكرياً.

ظهور أمين عام حزب الله حسن نصرالله في الساعات القليلة الماضية كان بالدرجة الأولى في إطار تهدئة بيئته التي طالبته بتوضيح ما يحصل، أما تفاصيل الكلمة ووسائلها فلن تغير بوقائع الأمور، لأن ما قبل 17 سبتمبر ليس كما بعده، فتفجيرات (البيجر) وبعدها أجهزة icom v82-85 اللاسلكية التي أصابته وحزبه وبيئته في الصميم، ستكون بمثابة نقطة التحول في كل الملفات الإقليمية المرتبطة بيوم السابع من أكتوبر 2023.

ووفقاً للغة الأمنية والعسكرية، انتقل الجميع الآن إلى المراهنة على نتائج المرحلة القادمة، مع تغير قواعد الحرب على الجبهة الشمالية، التي انتقلت بدورها من مصطلح (حرب الاستنزاف) إلى حرب فعلية لا ضوابط لها، وإسرائيل قالتها وتقولها بالفم الملآن «هيا إلى الحرب»، لأسباب باتت معروفة، وترجمتها بتخطيها كل قواعد الاستفزاز لحزب الله الذي كان حتى يوم 17 سبتمبر قادراً على تحملها أو الرد عليها بردود غير مناسبة كما درجت العادة لحفظ ماء وجهه أمام جمهوره وخصومه من جهة، وليأمن الجنون الإسرائيلي من جهة أخرى، وهذا ما جعله يتمسك وحده بمبدأ «الالتزام بقواعد الاشتباك»، التي تخطتها أو ضربتها إسرائيل في الساعات القليلة الماضية.

اليوم، باتت الأسئلة كثيرة، رغم خطاب نصرالله، وتنطلق من الحديث عن مدى قدرة حزب الله على الاستمرار في لعبة (قوة الردع) التي مكّنته على مدى عام كامل من إرساء بعض المعادلات في الداخل والخارج، سياسياً وعسكرياً. كيف سيترجم الرد على طبول الحرب على أرض الواقع؟ وإن كان فعلاً لا بد من المواجهة، هل سيكون نصرالله على الجبهة منفرداً، خصوصا أن داعميه ليسوا في وارد الدخول في حرب ضد إسرائيل، كما أن إسرائيل تخلت أخيراً عن فكرة أن داعميه يمثلون رأس الأفعى التي يجب البدء بها، بحسب ما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن ضابط كبير عرفته بالعقيد (ج)، الذي أفاد بأن الاتجاه يقول إن حزب الله يشكل غطاء في حال شن هجوم مفاجئ على طهران ما سيجعله يفتح جبهة ضدنا، لذلك يجب أن نشلّ قدراته على ذلك أولاً.

وفي سياق الأسئلة المطروحة، هل يفك (حزب الله) في قادم الأيام ارتباطه بالحرب على غزة بعدما وصلته الرسالة الكامنة خلف الاغتيالات والتفجيرات الأخطر في حروب العصر؟.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version