يمثل الغزو البري الإسرائيلي للبنان تصعيدا رئيسيا لصراع تل أبيب مع حزب الله، ويحلل الخبراء في مجموعة الأزمات الدولية هايكو ويمن، وديفيد وود ومايراف زونزيان الوضع والرهانات في المادة الشارحة التالية.

1/ ما الذي تحاول إسرائيل تحقيقه في لبنان؟

في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعلنت إسرائيل أن قواتها عبرت الحدود إلى جنوب لبنان، بعد عام تقريبا من مواجهتها مع حزب الله، والتي أعقبت هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مباشرة وما تلاها من هجوم إسرائيلي في قطاع غزة.

وقال الجيش الإسرائيلي لاحقا إنه كان يشن غارات سرية على جنوب لبنان منذ أشهر، لكن هذه العملية تهدد بأن تكون أكثر جسامة بكثير.

وقد أتى إعلان إسرائيل بعد أسبوعين من تصعيدها الدراماتيكي لما كان قد أصبح حرب استنزاف مع حزب الله والمتمثل في تفجير أجهزة اتصالات الحزب وإطلاق ضربات جوية كاسحة في ضواحي بيروت الجنوبية، وجنوب لبنان وأجزاء من وادي البقاع، وهي الهجمات التي قتلت أو جرحت مئات من كوادر حزب الله.

وقد قضت الهجمات الأخيرة على عدد كبير من كبار قادة الحزب، بمن فيهم أمينه العام حسن نصر الله، كما قتلت وجرحت عددا كبيرا من المدنيين.

وترتبط الحرب بين إسرائيل وحزب الله بالحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، فبعد اندلاع الحرب الأخيرة، أعلن حزب الله أنه يفتح “جبهة إسناد” لحليفته حماس، فأطلق الصواريخ على المنشآت العسكرية الإسرائيلية في مزارع شبعا، وهي منطقة يقول الحزب إنها جزء من لبنان وتدّعي إسرائيل أنها جزء من مرتفعات الجولان المحتلة.

وقد ردت إسرائيل النار، وتبادل الطرفان لاحقا الضربات عبر الحدود على مدى 11 شهرا. قبل تصعيد منتصف سبتمبر/أيلول، كان قد قُتل 600 شخص في لبنان وهُجِّر أكثر من 110 آلاف، وكان 50 شخصا قد قُتلوا في إسرائيل (إضافة إلى 12 درزيا سوريا في الجولان المحتل) وهُجِّر نحو 80 ألفا من منازلهم.

إن مدى ونطاق حرب إسرائيل على الحزب ليسا واضحين تماما. ويبدو أن أحد الأهداف يتمثل في قطع الصلة التي أقامها حزب الله بين جبهتي غزة ولبنان، بحيث تتمتع إسرائيل بحرية العمل في غزة دون أن تقلقها أي آثار على الحملة في الشمال.

ومع دعم الولايات المتحدة لحملة إسرائيل -وإشارة بعض كبار المسؤولين الأميركيين إلى أنها فرصة تاريخية لتقليص نفوذ حزب الله في السياسة اللبنانية- قد تتجرأ إسرائيل على المضي قدما.

في هذه الأثناء، فإن التداعيات على الشعب اللبناني كانت هائلة. وفقا للسلطات اللبنانية، فقد قتل أكثر من ألفي شخص، وجُرح نحو 10 آلاف وهُجِّر أكثر من مليون شخص منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

نشرة إيجاز - إصابة 25 عسكريا إسرائيليا في الجبهة الشمالية

2/ هل يمثل اغتيال نصر الله نهاية حزب الله؟

ربما لا. فقد قاد نصر الله الحزب لمدة 32 عاما، وأشرف على نموه من مجموعة مقاومة في جنوب لبنان إلى لاعب إستراتيجي في الشرق الأوسط برمته. كما أشرف على دخول الحزب إلى السياسات الانتخابية اللبنانية والحكم الرسمي.

وكان نصر الله لاعبا مهيمنا في المشهد السياسي اللبناني، يجسد فكرة “المقاومة” بشخصيته الكاريزمية. لكن رغم ذلك، فإن حزب الله مؤسسة سياسية واجتماعية، ومليشيا أيضا، ومن غير المرجح أن ينهار بسبب موت قائد مهم. في الواقع، عام 1992 أصبح نصر الله نفسه أمينا عاما خلال 24 ساعة من قيام إسرائيل بقتل سلفه عباس الموسوي.

ومن المؤكد أن مقتل نصر الله يمثل أكثر الضربات دراماتيكية في سلسلة من الضربات التي تلقاها الحزب منذ صعدت إسرائيل هجماتها في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، ومن الواضح أنه كان لهذه الهجمات أثر. ولمدة بضعة أيام بعد تصعيد منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، كان الحزب يطلق عددا أقل من الصواريخ على إسرائيل، بدلا من الرد بقوة أكبر، الأمر الذي يشير إلى أن قدراته قد تعرضت للضرر.

لكن هناك أيضا علامات على الصمود، فقد بدأت نيران الصواريخ المُطلقة على شمال إسرائيل بالتصاعد مرة أخرى بعد أقل من أسبوع من موت نصر الله، الأمر الذي يشير إلى أن مقاتلي حزب الله تمكنوا من إعادة التجمع وأن جزءا على الأقل من سلسلة قيادته لا يزال سليما معافى.

3/ ما طبيعة مزاج الإسرائيليين فيما يتعلق بالغزو البري للبنان؟

يبدو أن ثمة إجماعا في إسرائيل على أن الغزو البري كان ضروريا. لقد كان المسؤولون الإسرائيليون، والسياسيون من الشمال والمهجَّرون حاسمين في مطالبتهم بأن يضمن الجيش، في الحد الأدنى، عدم تمكن حزب الله في المستقبل من نشر مقاتليه وأسلحته قرب الحدود.

وعلى عكس جبهة غزة، حيث وقفت المؤسسة العسكرية وراء اتفاق يحقق وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين من شأنه أن يؤدي في النهاية إلى انسحاب القوات، ثمة ما يشبه الإجماع بين خصوم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على وجوب أن تنشر إسرائيل جنودها على الأرض في لبنان.

وقد قوبلت هجمات البيجر ومقتل نصر الله بمظاهر الفرح في إسرائيل، حيث شجعت وزارة التربية المدارس على إقامة الاحتفالات.

وبعد أن تعرضت عمليات استعراض القوة الإسرائيلية وقدرتها الردعية لضرر كبير في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتراجعها أكثر تحت الهجمات المستمرة لحزب الله على مدى الأشهر الـ11 التالية، يبدو أن قادة إسرائيل العسكريين باتوا يشعرون بشيء من استرداد القوة نتيجة تصفية قيادة حزب الله وتفجير عدد كبير من مخازن أسلحة الحزب.

لكن تلك البهجة تلاشت إلى حد ما في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، عندما أطلقت إيران نحو 200 صاروخ باليستي على إسرائيل، وأدخلتها في حالة تأهب قصوى كان أبرز تجلياتها هرولة جزء كبير من السكان إلى الملاجئ.

وقد اعترضت إسرائيل أعدادا كبيرة من تلك الصواريخ، لكن صور الأقمار الصناعية أشارت إلى أن قاعدتين جويتين على الأقل أصيبتا، الأمر الذي يشير إلى أن إيران قد تكون قادرة على إرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية إذا شنت هجمة أخرى أكبر.

4/ ما مخاطر الغزو البري على إسرائيل؟

تتمثل إحدى المخاطر الرئيسية على إسرائيل في أن تصبح عالقة بحرب متسعة دون تحقيق أهدافها، فالنجاحات الأخيرة لا تعني أن الجيش الإسرائيلي سيحقق نصرا سهلا. لقد شنت إسرائيل هجمات برية على لبنان 3 مرات من قبل، في عام 1978، و1982 و2006، ولم ينجز أي من تلك الغزوات ما خططت له.

وفي جميع تلك الحالات، كانت إسرائيل تهدف إلى القيام بتوغل محدود، لكن في عام 1978 قدَّمت مساحات من الأرض اللبنانية لعميل غير موثوق، جيش لبنان الجنوبي. وقد استمرت الهجمات التي كانت تشنها مجموعات حرب العصابات الفلسطينية رغم ذلك، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى الغزو من جديد بعد 4 سنوات. وفي عام 1982، انتهى الأمر بإسرائيل إلى المحافظة على احتلال مطوَّل لأجزاء أكبر من جنوب لبنان، مما وفَّر دافعا لتشكيل حزب الله، الذي ساعد بدوره على إخراج القوات الإسرائيلية من لبنان في عام 2000.

وقد شنت إسرائيل حربا على حزب الله عام 2006، ردا على غارات عبر الحدود، قتل فيها حزب الله 3 جنود إسرائيليين وأسر جنديين، وقُتل 5 آخرون في محاولة إنقاذ فاشلة، وقد، استمرت تلك الحرب 34 يوما.

وبالنسبة للصراع الحالي، قد تتمتع إسرائيل بالتفوق الجوي، لكن القتال على الأرض في المنطقة الجبلية في الجنوب يترك قواتها عرضة للكمائن، فبعد مضي أسبوع على الغزو الحالي، قتل ما لا يقل عن 11 جنديا إسرائيليا في جنوب لبنان. وتدّعي إسرائيل أنها قتلت ما لا يقل عن 440 مقاتلا من حزب الله.

ويتمتع حزب الله بمزايا إضافة إلى خبرته الطويلة في حرب العصابات، إذ تحتوي ترسانته على صواريخ مضادة للدبابات وغيرها من الصواريخ التي يصعب اعتراضها. وقد حفر أنفاقا تحت الحدود وأنفاقا أخرى لربط المواقع المختلفة في جنوب لبنان، والتي بدأت إسرائيل بتدميرها.

كما هو الحال مع حماس في قطاع غزة، فمن غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل قادرة على تحييد حزب الله على نحو كامل، أو على نحو كافٍ لأغراضها، أو إلى متى ستستمر العملية كي تكون قادرة على تحقيق أهدافها.

5/ ما الخطوة القادمة بالنسبة لإسرائيل؟

لم تعبِّر إسرائيل علنا عن خطة متماسكة لتحويل إنجازاتها العسكرية الأخيرة إلى مكاسب إستراتيجية. على نحو خاص، ومن غير الواضح ما إذا كان لإسرائيل رؤية بشأن كيفية منع استئناف الهجمات من لبنان بعد نهاية التوغلات والقصف، ولا كيف يمكن للحكومة أن تقنع السكان المهجرين بالعودة.

وفي غياب حل دبلوماسي، من غير المرجح أن ينجح أي من خياري إسرائيل في العودة الآمنة للسكان المهجرين على المدى القصير. يتمثل أحد هذين الخيارين في احتلال طويل الأمد لأراضٍ لبنانية، والثاني في محاولة تدمير حزب الله. وقد يتطلب الخيار الأول توسيع إسرائيل لاحتلالها إلى مناطق أخرى في لبنان، بما في ذلك وادي البقاع وضواحي بيروت الجنوبية، حيث يتجذر حزب الله بين السكان.

ويمكن أن تنطوي مثل هذه المناورة، التي تحاكي نهج إسرائيل في قطاع غزة، على فرض نظام أمني مؤقت في تلك المناطق لتعقب أفراد حزب الله وتفكيك مؤسساته الواسعة. لكن تكرار الاحتلال السابق لجنوب لبنان سيكون مسألة طويلة من المرجح أن تُلحق الألم بإسرائيل، على شكل سقوط مستمر للقتلى في صفوف الجنود، واقتصاد أضعف وعزلة دبلوماسية.

بالنسبة للخيار الثاني، حتى مع النجاحات الأخيرة، ليس واضحا أن لدى إسرائيل فرصة أفضل في القضاء على حزب الله بسرعة أكثر مما كان لديها في عام 2006، ولا سيما بالنظر إلى أن الجيش الإسرائيلي يحارب منذ سنة في قطاع غزة، ولا يزال ينتشر هناك وفي الضفة الغربية أيضا. فالأمر الأكثر ترجيحا هو أن جهود إسرائيل ستسمح لها بالاحتفاظ بمزيتها العملياتية والتكتيكية في الوقت الذي تدير فيه التهديدات على الجبهة الداخلية لمدة طويلة من الزمن، لكن دون نتائج واضحة.

6/ ما التبعات التي يمكن أن تترتب على الغزو البري بالنسبة للحياة السياسية اللبنانية؟

لطالما عبَّر خصوم حزب الله الداخليون عن غضبهم من هيمنة الحزب في السياسة اللبنانية، وقد ينظرون إلى إضعافه غير المتوقع على أنه فرصة لتحقيق مكاسب سياسية، لكن مخاطر أي محاولة كتلك قد تكون كبيرة. قد يلقى هؤلاء اللاعبون -مثل القوات اللبنانية والكتائب، وكلاهما حزبان مسيحيان، أو ما بقي من تيار المستقبل، وهو تجمع سني- تشجيعا من القوى الأجنبية لتحقيق هذه الغاية.

وقد يسعى اللاعبون الخارجيون إلى الضغط على حزب الله للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بشروط إسرائيل أو حتى لإجباره على تسليم أسلحته وإلى الأبد. وقد تسعى إسرائيل إلى دفع الحكومة اللبنانية إلى مواجهة ما بقي من قوة حزب الله، فقد تقترح، على نحو خاص، تكليف الجيش اللبناني بإخضاع حزب الله. أما إذا ما كان الجيش اللبناني قادرا على تحقيق ذلك الهدف فأمر غير واضح، وثمة ما يبرر الخوف من أن مثل هذه المهمة من شأنها أن تقوض وحدته.

إضافة إلى ذلك، فإن أي محاولة من ذلك النوع يمكن أن تؤدي إلى عنف واسع الانتشار، فمن شبه المؤكد أن يقاوم حزب الله مثل تلك الجهود بقوة، وقد يحشد أنصاره لصدامات في الشوارع مع مجموعات اجتماعية وطائفية أخرى.

كما أن تهجير أكثر من مليون لبناني، معظمهم شيعة يهربون من المناطق التي يسيطر عليها حزب الله، من شأنه أن يفاقم التوترات الطائفية. فأولئك الذين باتوا دون مأوى قد يلجؤون إلى احتلال ممتلكات خاصة غير مسكونة، ولا سيما في بداية الشتاء. وقد لا تكون الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية قادرة على إدارة ذلك الوضع إلى ما لا نهاية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version