القدس المحتلة- أعاد مشهد الاشتباك بين مقاتلي حزب الله وقوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، الذي أسفر عن مقتل 8 جنود وضباط وإصابة 35 آخرين، إلى الذاكرة الجماعية الإسرائيلية حرب لبنان الأولى، التي ورطت تل أبيب لعقود في “الوحل اللبناني”.

وفتح مقتل الجنود والضباط باب النقاش على مصراعيه بالساحة الإسرائيلية عن تداعيات التوغل البري، وتساءلت أوساط عديدة عما إذا كانت “المكاسب العسكرية” التي حققها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قد تورط إسرائيل في حرب برية غير محسوبة النتائج في لبنان.

وبرأي محللين إسرائيليين، فإنه لولا حالة الهزيمة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والنازحين داخل إسرائيل، وحاجة السياسيين والعسكريين لاستعادة مكانتهم بعد الفشل والإخفاق بمنع “طوفان الأقصى”، لم تقدم إسرائيل على اغتيال نصر الله أو تشن عملية عسكرية في لبنان.

إهمال وغطرسة

رغم ما توصف بـ”الإنجازات التكتيكية” و”المكاسب” من العملية العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي على لبنان للأسبوع الثاني، تعتقد مراسلة الشؤون السياسية والدبلوماسية بالموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل”، تال شنايدر، أنه دون تحقيق إنجازات ونتائج في غزة، فإن الجمهور الإسرائيلي لن يغفر لنتنياهو.

وأوضحت شنايدر أن على قادة الأجهزة الأمنية وقيادة الحكومة الاعتذار لمواطني إسرائيل عن “الإهمال والغطرسة والإستراتيجية العسكرية السياسية غير الكافية” تجاه غزة وحركة حماس، “وبالطبع الاعتذار أيضا للمختطفين الذين لم يتم إعادتهم بعد”.

وبعد اغتيال نصر الله، من الممكن أن يحصل نتنياهو وكذلك كبار قادة قوى الأمن، وفق شنايدر، على دعم وثقة متجددة من الجمهور الإسرائيلي، “لكن الدعم للعملية العسكرية في لبنان قد ينتهي قريبا عندما ندفع ثمنا باهظا من حياة الجنود والضباط”.

وتعتقد مراسلة الشؤون السياسية أن المؤشرات بإسرائيل تظهر أن الجمهور لن يشعر بالفرح والامتنان إلا عندما يرى المحتجزين الإسرائيليين في غزة “يعودون إلى ديارهم”. وقالت “تحدث نتنياهو عن ذلك في الأمم المتحدة، لكن تصريحاته لا تدعمها أفعاله على الأرض”.

نشوة وعار

الطرح ذاته قدّمه الباحث في “مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجية” في جامعة بار إيلان، البروفيسور أودي ليبيل، الذي انتقد حالة النشوة التي عاشتها إسرائيل في أعقاب ما وصفها بـ”الإنجازات التكتيكية” بلبنان، مضيفا أن إقصاء نصر الله عن المشهد “يخفي خلفه 3 عقود من العار لإسرائيل”.

وقال ليبيل، في تقدير موقف للمركز، “حقق طيارونا إنجازا مبهرا في بيروت، لكن هذه لحظة فارقة للمفهوم الأمني الفاشل الذي شكل حياة الإسرائيليين حتى الآن. لسنوات نجح نصر الله وحزبه في تثبيط عزيمة إسرائيل وإيصالها إلى الهزيمة الكاملة التي بلغت ذروتها في عهد نتنياهو، ليس هناك سبب للاحتفال بهذه المرحلة، بل للحساب الذاتي العميق”.

واستذكر ليبيل الانتكاسة التي مُنيت بها إسرائيل في لبنان على أيدي حزب الله، قائلا “في عهد نصر الله انسحب الجيش الإسرائيلي من الحزام الأمني، وأهمل بشكل مخزٍ جيش لبنان الجنوبي، وأخفق بالحفاظ على أمن الإسرائيليين في الشمال”.

وحذر الباحث الإسرائيلي من تداعيات التوغل البري في لبنان، قائلا إن الجيش الإسرائيلي يغامر بالمناورة في “الوحل اللبناني”، حيث لا يمكن معرفة تداعيات هذه الحرب البرية، مثلما هو الواقع على جبهة غزة، حيث لم تحسم المعركة ولم تحقق أهدافها المعلنة، والأهم أن هناك عشرات المحتجزين الإسرائيليين لا يزالون بالأسر لدى حركة حماس.

عواقب أكثر خطورة

وتحت عنوان “كيف تعلمنا أن ننسى.. في الطريق إلى وحل لبناني آخر؟”، كتب بوعز تامير، مقالا بالموقع الإلكتروني “والا”، تناول فيه تورط إسرائيل في حروب لبنان على مدار عقود. وقال “بعد مرور 42 عاما على حرب لبنان الأولى بالعام 1982، توشك إسرائيل على الوقوع في الفخ نفسه مرة أخرى”.

لكن الساحة القتالية هذه المرة، كما يرى تامير، “أكثر تعقيدا، وقد تكون العواقب أكثر خطورة. والمفاهيم الخاطئة المتعلقة بالعقيدة الأمنية الإسرائيلية التي ورطت إسرائيل في لبنان منذ عام تقريبا لا تزال موجودة، ولا يبدو أن أحدا سواء على المستوى السياسي أو العسكري قد تعلم الدرس واستخلص العبر”.

ويذكر تامير أنه في حرب لبنان الأولى، وعد أرييل شارون بحل “المشكلة الفلسطينية”، وتغيير ميزان القوى بالشرق الأوسط، “لكن ماذا حقق؟ وحل عميق في لبنان وتأسيس حزب الله، وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، لقد خرج مئات آلاف الإسرائيليين للاحتجاج، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ 18 عاما أخرى في لبنان. وبالعام 2024، إسرائيل لا تزال تتخبط ولا يوجد حل في الأفق”.

انتصار وهزيمة

من وجهة نظر الكاتب الإسرائيلي نير كيبنيس، فإن التصعيد على جبهة لبنان، الذي ينذر بمواجهة شاملة مع حزب الله بعد اغتيال الكثير من قياداته العسكرية، لا يمكن فهمه إلا من خلال نهج نتنياهو الذي اعتمده طوال الأشهر الأخيرة بالحرب على غزة، وهو المراوغة والمماطلة في إنجاز صفقة تبادل وطي ملف المحتجزين.

وأشار كيبنيس، وهو مقدم برامج إخبارية في “راديو تل أبيب”، إلى أن إسرائيل التي كانت بالأسابيع الأخيرة تتوغل في غزة، بحثا عن المحتجزين داخل الأنفاق، تحرف أنظار العالم ومواطنيها على وجه الخصوص باتجاه لبنان، وما وصفه نتنياهو بـ”الإنجازات العسكرية” جاء من أجل عدم دفع المزيد من الأثمان في غزة.

وأوضح أن إسرائيل وبعد مرور عام تقريبا على حملتها العسكرية في قطاع غزة، التي يشارك فيها “أقوى جيش في الشرق الأوسط”، ورغم “النجاحات” التي حققها، فهي غير قادرة على تدمير حركة حماس التي تحارب بأسلحة تقليدية وترسانة عسكرية صغيرة.

ويرى كيبنيس أن كل إنجاز عسكري لحظي، كما أن كل انتصار مؤقت، مضيفا “من يسارع ليستريح على أمجاد نصره المجيد، سيصب الواقع دلوا من الماء البارد على وجهه، أي أنه كما استبدل وسم الفشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بالشعور بالنشوة والانتصار بالأيام الأخيرة، فقد تدور العجلة مرة أخرى وتتكرر الهزيمة”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version