بعد قرابة 40 عاما على تأسيس حزب الله في لبنان، تعود الذاكرة ببعض المراقبين إلى سنواته الأولى، حين كان عدد مقاتليه لا يتجاوز بضع مئات، مقارنة مع “100 ألف مقاتل” أعلن عنهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله خلال خطابه الذي ألقاه في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وأمام هذا التطور الكبير في جوانب عديدة لحزب الله الذي بات أبرز كيان عسكري شبه حكومي في المنطقة وربما العالم، تُسلَّط الأضواء على دور جمعية “كشافة المهدي” في منظومة حزب الله.

التأسيس والمسار

تأسست كشافة المهدي في لبنان عام 1985 في السنة نفسها التي أعلن فيها حزب الله عن وثيقته السياسية الأولى، وذلك بعد 3 سنوات من انطلاقته.

وفي عام 1992، حصلت الجمعية على ترخيص من وزارة التربية في لبنان، وهو العام الذي قرر فيه الحزب خوض الانتخابات البرلمانية الأولى عقب انتهاء الحرب الأهلية في لبنان بالتزامن مع تعزيز أنشطته الاجتماعية المختلفة.

ومنذ تأسيسها، ركزت جمعية كشافة المهدي نشاطها في مدن وقرى جنوب لبنان وبيروت وسهل البقاع حيث الحاضنة الشعبية لحزب الله، وتنشط على وجه الخصوص في أكثر من 15 مدرسة وثانوية تابعة للمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم-مدارس المهدي التي أسسها الحزب عام 1993، فضلا عن المدارس والمعاهد الأخرى في تلك المناطق، الحكومية والخاصة منها.

ويُظهر هذا المسار تناغما لصيقا بين كشافة المهدي في طور نشأتها وحزب الله خلال تبلور أنشطته السياسية والاجتماعية.

وأمام هذا الحضور الواسع، أشارت صحيفة “ديلي ميل” إلى أن عدد منتسبي كشافة المهدي بلغ 45 ألفا، في حين ذكر موقع “جنوبية” الإخباري اللبناني أن العدد لا يتجاوز 5 آلاف منتسب من الذكور والإناث على حد سواء تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عاما.

ليس كأي كشاف

لكن كشافة المهدي ليست مجرد جمعية كشفية تقليدية، فإلى جانب أنشطة الجوالة والتخييم ومهارات الملاحة والقيادة وغيرها، تركز الجمعية على التلقين الشرعي والتربوي بما يتوافق مع الخط الديني الذي يتبناه حزب الله.

ولا تخفي الجمعية في أنشطتها الثقافية والمسرحية ذلك، بل يكاد يكون حضورها أساسيا في معظم المناسبات والمهرجانات التي يحييها الحزب، كمراسم إحياء ذكرى عاشوراء ويوم الشهيد ويوم القدس وغيرها.

تلعب كشافة المهدي دورا مركزيا في تثبيت منطلقات الحزب العقدية بين أبناء حاضنته الشعبية، مثل “الولي الفقيه” و”دولة صاحب الزمان” و”الجهاد المقدس” و”التكليف الشرعي” التي كانت مصطلحات غريبة في المجتمع الشيعي قبل ظهور حزب الله حيث كانت التيارات اليسارية والقومية تهيمن على توجهات المسلمين في لبنان حينها سنة وشيعة.

وبعد 40 سنة من التأسيس، لا يزال الحزب بحاجة لاستثمار الأنشطة الكشفية في صقل الشخصية القيادية لدى الناشئة منذ الصغر، ولإرساء قواعد السمع والطاعة التي تشكل عاملا بالغ الأهمية في ثقافة “الولي الفقيه”.

مقاتلو الغد

ولأن بعض الأسر قد لا تتجاوب مع أساليب التجنيد التقليدية لدى الحزب، تستهدف “كشافة المهدي” الأسر الباحثة عن محاضن تربوية-ترفيهية لأبنائها حيث تنشأ هذه الأجيال على المبادئ التي تربطها بمشروع حزب الله حين تبلغ سن الرشد. وهكذا، تشكل الجمعية محاضن تربوية ترفد حزب الله بالعنصر البشري الشاب، المعد عقائديا وثقافيا وبدنيا.

وفي ظل هذا التلقين المنهجي الثقافي والتدريب العسكري الأولي، يكون المنتسب جاهزا مبدئيا للالتحاق بصفوف مقاتلي حزب الله.

الإناث أيضا

ولأن كشافة المهدي لا تقتصر على الذكور، بل تشمل الإناث أيضا، فإنها تعد المرحلة الابتدائية لـ”الأخوات المؤمنات” بخط حزب الله قبل التحاقهن بـ”الهيئة النسائية” التابعة للحزب.

ووفق هذا المسار التنظيمي، يمد حزب الله حبال الوصل بين المؤسسات التعليمية وجناحه العسكري وبيوت العائلات، مشكلا بيئة اجتماعية موالية له وملتزمة بمنهجه الديني ومشروعه السياسي.

كما تشكل الكشافة الإطار الشبابي الذي يحمي بيئة الحزب ومناصريه اليافعين من آثار التدافع الفكري وكثرة المذاهب والتيارات التي يتميز بها لبنان مع صغر مساحته واختلاط شرائحه.

وتعيد كشافة المهدي تثبيت الأطر العقدية والثقافية التي يريدها الحزب في عقول وقلوب مناصريه اليافعين.

Members of Imam al-Mahdi scouts march during a religious procession to mark Ashura in Beirut's southern suburbs, Lebanon July 29, 2023. REUTERS/Aziz Taher

الفرص والتحديات

تسلط وسائل الإعلام والتقارير التي تنتجها جهات مناهضة لحزب الله الضوء على الدور الذي تلعبه كشافة المهدي في مشروع الحزب، مما دفع المنظمة العالمية للحركة الكشفية “دبليو أو إس إم” (WOSM) عام 2020 لبدء تحقيقات حول علاقة الجمعية بالحزب.

ورغم أن هذه الخطوة ربما وضعت الحالة القانونية للجمعية في موقف حرج، فإنه من المستبعد أن تؤثر فعليا على نشاطها في لبنان في ظل توسع نفوذ حزب الله في مؤسسات الدولة اللبنانية وأجهزتها.

بل إن كشافة المهدي استطاعت خلال العقد المنصرم استحداث أنشطة لها خارج لبنان. فمع اندلاع الثورة السورية وانخراط حزب الله والمليشيات الإيرانية في القتال إلى جانب النظام، اكتسب الحزب نفوذا في بعض المناطق في الداخل السوري.

إثر ذلك دخلت كشافة المهدي إلى تلك المناطق لتؤسس فرعها السوري هناك، والذي يشار إلى دوره في تجنيد سوريين لصالح حزب الله في سوريا.

كما ارتبط اسم كشافة المهدي بـ”كشافة الحسين” في العراق التابعة لـ”كتائب حزب الله” العراقية، المنضوية تحت مظلة “تجمع شباب الشريعة”.

ففي عام 2012، وقعت كتائب حزب الله مذكرة اتفاق مع كشافة المهدي لإقامة معسكرات تديرها الأخيرة لتدريب عناصر “كشافة الحسين” على المهارات القيادية ونقل الخبرات الكشفية.

ويضم “تجمع شباب الشريعة” منظمات وجمعيات الخدمة الاجتماعية والثقافية والرياضية والكشفية التابعة لكتائب حزب الله، في استنساخ لتجربة حزب الله اللبناني مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وبين التحديات التي تواجهها وتعزيز دورها في لبنان وخارجه، فإن “كشافة المهدي” تعد الذراع الشبابية لحزب الله اللبناني وحاضنته التربوية والثقافية ورافده بالمورد البشري المتجدد.

البناء الديني

ولعل هذا ما ميز الحزب عن غيره من التنظيمات السياسية والعسكرية التي تعتمد على أساليب التجنيد التقليدية وحملات الحشد الانتخابية الموسمية والإغراءات المادية، فالحزب على عكس كثيرين يركز على الجانب العقدي حين يتعلق الأمر ببيئته، إذ تبقى الفكرة حين تغيب المادة خلال التحديات المصيرية.

وتعد كشافة المهدي إلى جانب أطر اجتماعية وطلابية وشبابية أخرى أحد عناصر قوة الحزب، والتي مكنته من الحفاظ على فاعليته، رغم العديد من الاستحقاقات الأمنية والعسكرية والسياسية التي مر بها، والتي يعول عليها في أي مواجهة مقبلة مع إسرائيل في ظل تداعيات حرب طوفان الأقصى المستمرة حتى اليوم.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version