شهران مرا على الإبادة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي شمال قطاع غزة، حيث يواصل ارتكاب المجازر المروعة وعمليات التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، مجبرا الآلاف على النزوح بالقصف والتجويع.

وبدأت الإبادة في 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حينما شرع جيش الاحتلال بقصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة في محافظة الشمال ألحقه بعد ساعات بغزو بري في المنطقة.

كما فرض جيش الاحتلال حصارا مشددا على محافظة الشمال، مانعا دخول المساعدات الإغاثية والطبية والغذائية والمياه ما تسبب بمجاعة شديدة فيها.

وكان لافتا مشاركة الطائرات المسيّرة بكثافة التي ساهمت في حصار المحافظة وملاحقة المواطنين ومنع خروجهم من منازلهم عبر استهدافهم بالرصاص والقنابل.

هذه العملية تسببت منذ أيامها الأولى بإخراج المنظومة الصحية عن الخدمة، وأوقفت خدمات جهاز الدفاع المدني ومركبات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني.

كما دمرت أحياء سكنية كاملة ومنشآت وبنى تحتية، واستخدم الجيش إلى جانب التفجير والنسف بالقنابل والصواريخ والمتفجرات، “الروبوتات المفخخة” في التدمير الممنهج.

وترغب إسرائيل في احتلال شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عازلة بعد تهجير سكانه، وسط دعوات يطلقها يمينيون إسرائيليون لإعادة احتلال القطاع والاستيطان فيه ودفع الفلسطينيين للهجرة.

إبادة الشمال في أرقام

وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الإبادة التي تنفذها أكثر من 3 آلاف و700 فلسطيني، دُفن منهم ألفان و400 شخصا، بحسب بيان صدر عن المكتب الإعلامي الحكومي أمس الاثنين.

وأفاد البيان بإصابة نحو 10 آلاف فلسطيني، مع خروج المنظومة الصحية عن الخدمة، حيث حذر مسؤولون بأوقات سابقة من أن “المصابين مصيرهم الموت شمال غزة بسبب نقص الإمكانيات الطبية”.

واعتقلت إسرائيل منذ 5 أكتوبر/تشرين الأول نحو ألف و750 فلسطينيا، وفق ما أورده البيان، والكثير منهم لا يعرف مكان اعتقالهم أو مصيرهم.

وأفاد البيان بوجود نحو 500 إلى 650 جثمانا من الشهداء الفلسطينيين في الشوارع والطرقات؛ تعذر انتشالهم بسبب الاستهداف المتكرر لطواقم الإسعاف والدفاع المدني وصعوبة التحرك في المنطقة.

وتابع البيان: “الكلاب الضالة نهشت جثامين الشهداء في الشوارع، تحولت جثامينهم إلى عظام متناثرة غير معروفة الأسماء في الشوارع والطرقات”.

وحول أعداد النازحين، كانت محافظة الشمال تضم قبل بدء العملية العسكرية نحو 200 ألف فلسطيني فيما تسببت أوامر الإخلاء المتكررة والتهجير القسري بنزوح نحو 130 ألف شخص، بحسب بيان صدر الخميس عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.

النازحون رفضوا التوجه إلى جنوب قطاع غزة وفق تعليمات الجيش الإسرائيلي، وغيّروا وِجهتهم إلى مدينة غزة خاصة منطقتي الغرب والوسط.

وجراء الحصار العسكري المطبق على المحافظة، فإن الجيش منع دخول أكثر من 8 آلاف شاحنة مساعدات وبضائع إليها، وفق بيان المكتب الحكومي.

وقال مسؤولون أمميون إن الجيش يرفض بشكل متكرر طلبات السماح بإدخال مساعدات للمحافظة التي أعلنتها حكومة غزة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، “منطقة منكوبة”.

فيما قالت “الأونروا” الأسبوع الماضي، إن إسرائيل أحبطت 91 محاولة أممية لإيصال المساعدات للمحافظة.

إخراج المنظومة الصحية

ومنذ بدء الإبادة بقطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي المنظومة الصحية بشكل مخطط ومدروس، من خلال تدمير وإحراق المستشفيات والمراكز الطبية وإخراجها عن الخدمة.

وتمعن إسرائيل منذ بداية إبادتها في الشمال بتلك السياسة من خلال فرض حصارها على المستشفيات الرئيسية الثلاثة في المحافظة “كمال عدوان، والإندونيسي (حكوميان) والعودة (أهلي)”.

كما اقتحم جيش الاحتلال مستشفيين كانا يضمان مرضى ونازحين فضلا عن الطواقم الطبية، وذلك في فترتين مختلفتين، كما يلي:

  • 23 أكتوبر/تشرين الأول: اقتحم الجيش الإسرائيلي مستشفى العودة في بلدة جباليا بعد حصار دام 4 أيام وأجبر طواقمه على المغادرة، فيما تعرض للقصف المباشر في أوقات سابقة.
  • 25 أكتوبر/تشرين الأول: اقتحام مستشفى كمال عدوان بالتزامن مع استهدافه بشكل متكرر، واعتقال عدد من الطواقم الطبية والمرضى.
  • المستشفى الإندونيسي لم يتعرض للاقتحام، لكنه حوصر من الجيش الإسرائيلي في 19 أكتوبر/تشرين الأول وتعرض للقصف المباشر.

إلى جانب ذلك، فإن الاحتلال استهدف مركبات الإسعاف التابعة لهذه المستشفيات والتابعة للهلال الأحمر ما تسبب بخروجها عن الخدمة وصعوبة انتشال الإصابات والجثامين.

الدفاع المدني متوقف

وأعلن جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في 23 أكتوبر/تشرين الأول توقف عمله كاملا بمحافظة الشمال، بسبب الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لطواقمه ومركباته.

وفي ذات اليوم، اعتقل جيش الاحتلال 5 من عناصر الدفاع المدني واقتادتهم إلى مكان مجهول.

كما استهدف الاحتلال في ذات اليوم طاقم الدفاع المدني بمشروع بيت لاهيا بصاروخ أسفر عن إصابة 3 من عناصره كما قصف مركبة الإطفاء الوحيدة التابعة له.

هذا الاستهداف المتعمد أثر بشكل كارثي في عمليات إنقاذ المصابين وانتشال والشهداء من تحت أنقاض المنازل التي يدمرها الجيش على رؤوس سكانها، حيث كثف الجيش من عمليات قصفه للمنازل المأهولة هناك.

ولأكثر من مرة، قال فلسطينيون إنهم كانوا يسمعون أصوات استغاثة تحت أنقاض المنازل المدمرة، لكن بسبب عدم وجود طواقم إسعاف وإنقاذ فإنهم يبقون لساعات وأيام تحت الأنقاض حتى يفقدوا الحياة.

ويحاول الفلسطينيون بأدوات بدائية جدا انتشال العالقين تحت الأنقاض دون وجود جهات مختصة مساعدة.

خطط إسرائيلية لإفراغ الشمال

ومنذ بدء الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني في غزة، وضعت إسرائيل عدة خطط لليوم التالي بعد الحرب وإدارة القطاع؛ إلا أن الواقع أثبت فشل ما تم تطبيقه حتى اللحظة.

وحذرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أكثر من مرة من تطبيق الجيش لـ”خطة الجنرالات” التي تهدف لعزل محافظة الشمال وقطع المساعدات عن الموجودين فيها واعتبارهم مقاتلين لتبرير قتلهم.

و”خطة الجنرالات” كشف عنها موقع “واي نت” الإسرائيلي، في 4 سبتمبر/أيلول الماضي، وتهدف إلى “تحويل كامل المنطقة الواقعة شمال ممر نتساريم (وسط القطاع)، أي محافظتي غزة والشمال، لمنطقة عسكرية مغلقة”.

وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، إن عسكريين إسرائيليين سابقين عكفوا على إعدادها، وتهدف “لإجلاء السكان خلال أسابيع قليلة، وفرض حصار على المنطقة، لدفع المسلحين بمدينة غزة للاستسلام أو الموت”.

وفي اليوم نفسه، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قوله خلال اجتماع للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، إن خطة الجنرالات “منطقية”، وإنها “واحدة من الخطط التي يجرى بحثها”.

ولاحقا، بدأت إسرائيل بتطبيق خطة عرفت باسم “الفقاعات”، وتعمل على مخطط لتقسيم القطاع إلى 4 مناطق منفصلة، دون إعلان رسمي عنها.

ويعود الكشف عن هذه الخطة إلى تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في يونيو/حزيران الماضي، أوضح أن الهدف منها إنشاء مناطق منفصلة عن بعضها يمكن العيش فيها ويسهل السيطرة عليها تضم فلسطينيين غير مرتبطين بـ”حماس”.

ونقل إعلام إسرائيلي عن الصحيفة قولها إن الخطة تتضمن أيضا “توزيع المساعدات في تلك المناطق عبر فلسطينيين محليين يتم اختبارهم، في وقت يواصل فيه الجيش الإسرائيلي عملياته ضد المسلحين المتبقين”.

وبحسب صحيفة “هآرتس” فإن المنطقة الأولى ستكون شمال القطاع بعد إفراغها من سكانها وتحويلها إلى جيب عسكري، وأما الثانية فهي محور نتساريم الذي يسيطر عليه الاحتلال ويفصل شمال القطاع عن جنوبه، وتم توسعته ليصبح بعرض 5-6 كيلومترات وبطول 7 كيلومترات.

أما المنطقة الثالثة، وفق الصحيفة، فهي تقع على الحدود الجنوبية بين غزة ومصر في محور فيلادلفيا حيث يهدم الجيش أحياء سكنية، بينما تقع الرابعة على طول الحدود الشرقية بين القطاع وإسرائيل والتي ستكون منطقة عازلة.

وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وصلت 3 شاحنات تحمل مساعدات إنسانية إلى المحاصرين في بلدة بيت حانون شمال القطاع، بتنسيق مع الأمم المتحدة.

وحتى الثلاثاء، لم يتم توزيع مساعدات أخرى بمحافظة شمال غزة، وسط تواصل المجاعة في صفوف المواطنين التي أسفرت وفق مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة عن وفاة عدد من الأشخاص خاصة من المرضى وكبار السن.

وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت نحو 150 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version