تقف بيوت الطين في قرى منطقة الحدود الشمالية، مثل لينة، ولوقة، والدويد، وأم رضمة، وغيرها، شامخةً وشواهد حية على أصالة المكان وعمق التاريخ، مجسّدةً جمال العمارة الريفية وبساطتها، وحافظةً بين جدرانها حكايات الأجداد وملامح حياةٍ صاغتها البيئة وشكّلها الإنسان بعفوية وإبداع.
وتعكس هذه البيوت نمط العيش السائد في تلك الحقب، حيث واجه السكان تحديات المناخ وقسوة الطبيعة بحلول ذكية، أسهمت في استدامة الحياة وتيسيرها، إذ شكّلت نموذجًا متقدمًا للتكيّف البيئي، اعتمد على مواد محلية مستمدة من الطبيعة، مثل: الطين والأخشاب، وسعف النخيل، في انسجامٍ تام بين الإنسان وأرضه، ووعيٍ مبكر بمفاهيم البناء المستدام.
وتبدو بيوت الطين ككتابٍ مفتوح، يقرأ من خلاله الزائر تفاصيل الحياة الماضية؛ من هموم الناس وتطلعاتهم، إلى أحلامهم البسيطة وطقوسهم اليومية، فهي لا تحكي قصة بناء فحسب، بل تروي فصولًا من الذاكرة الاجتماعية، وتوثّق علاقة الإنسان بالمكان، وتمنح المشاهد إحساسًا بعبق الماضي ودفء العيش القديم.
ورغم اختلاف تصميمها من منزلٍ لآخر، إلا أن ملامح مشتركة تجمعها، أبرزها المجلس أو المشب في بعض المنازل، والذي كان يمثل قلب البيت ومركز الاجتماع، ومكان استقبال الضيوف وتبادل الأحاديث، في صورة تعكس قيم الكرم والتلاحم الاجتماعي التي اشتهر بها أهالي المنطقة.
ويبرز قصر الملك عبدالعزيز في قرية لينة التاريخية، جنوب محافظة رفحاء، بصفته أحد أهم الشواهد على تطور البناء بالطين في المنطقة؛ إذ شُيّد بالكامل من اللبن، ولا يزال صامدًا منذ أكثر من تسعين عامًا، في دلالة واضحة على متانة المباني الطينية وجودتها العالية آنذاك، وقد وفّرت هذه العمارة حماية طبيعية من تقلبات الطقس، فكانت عازلًا فعالًا من البرد والحر، ومقاومةً للأمطار والعوامل البيئية المختلفة.
وتبقى بيوت الطين في منطقة الحدود الشمالية إرثًا معماريًا وثقافيًا ثمينًا، يعكس هوية المجتمع، ويجسّد قصة الإنسان مع المكان، ويستحق العناية والتوثيق بوصفه جزءًا أصيلًا من ذاكرة الوطن وتاريخه.

