غزة- يشعر المواطن الغزي زكريا عثمان بالراحة، بعد أن تلقى حفيداه التوأمان “آسر وأكرم” (10 شهور) لقاح مرض شلل الأطفال، ويقول قبيل مغادرته عيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” في مخيم دير البلح وسط قطاع غزة “كنّا ننتظر وصول التطعيم، وكان لديّ شعور بالقلق ألا يصل بسبب منع إسرائيل له، هذا وباء خطير ويشكل خطرا على صحة ومستقبل أولادنا”.

وكان الجدّ الفلسطيني قد نزح من مدينة رفح في مايو/أيار الماضي، ويُقيم حاليا عند بعض أقاربه في دير البلح، ويلفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن انتشار وباء مرض “القوباء” الجلدي الذي أصاب غالبية الأطفال بقطاع غزة، أثار قلقه الشديد إزاء إمكانية تفشي مرض شلل الأطفال وتسببه بكارثة لسكان القطاع.

ويضيف “نعاني من الحصار والحرب وتكدس الناس، ونحاول اتباع الطرق الصحية لحماية أنفسنا وأولادنا، ما زلنا نعالج أطفالنا حتى الآن من الأمراض الجلدية”.

وبرفقة 7 أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين 6 شهور إلى 7 سنوات، تقدم عمر أبو سيدو لتطعيمهم ضد شلل الأطفال في عيادة “أونروا”، ويقول للجزيرة نت “طعّمتُ بناتي وبنات أختي، خشية إصابتهم بشلل الأطفال وللحفاظ على صحتهم وصحة المجتمع”، ويضيف “التطعيم لازم، لأنه إذا ما صار وباء سينتشر هنا وفي كل العالم”.

بدوره، كان أبو سيدو يخشى أن تعرقل إسرائيل إدخال اللقاحات إلى القطاع، مبديًا سعادته الكبيرة لوصولها، ومضيفا “الله يعينُنا على هذه المحنة وهذه الحرب، وشكرا لمن وفروا لنا هذا التطعيم”، ويُكمل “نعيش في أوضاع صعبة، وأي وباء ينتشر بسرعة؛ الآن كل الأطفال مصابون بأمراض جلدية بكتيرية صعبة، وما نزال نعالجهم، فكيف اذا انتشر شلل الأطفال؟”.

حملة التطعيم

ورغم سماعها شائعات تتحدث عن أن تطعيمات شلل الأطفال التي وصلت للقطاع غير آمنة، فإن هناء القُرعان قررت “التوكل على الله وتطعيم أولادها الأربعة” كما تقول، وتضيف “خائفة من إصابة أولادي بالمرض، لأن مناعتهم ضعيفة، وكلهم مصابون بالمرض الجلدي المنتشر حاليا، وهذا دفعني للتطعيم”.

وانطلقت اليوم الأحد المرحلة الأولى من التطعيم ضد مرض شلل الأطفال في منطقة وسط قطاع غزة وستستمر لمدة 4 أيام، وستليها المرحلتان الثانية والثالثة على التوالي، في منطقتي شمال قطاع غزة وخان يونس في جنوبه، وتستهدف الحملة تطعيم 640 ألف طفل، ممن لا تتجاوز أعمارهم العاشرة، في جميع أرجاء القطاع.

وكانت إسرائيل قد وافقت على هدنة إنسانية، توقف خلالها اعتداءاتها لمدة 8 ساعات خلال عملية التطعيم في المنطقة التي يتم فيها أخذ اللقاح فقط، بينما تواصلها في المناطق الأخرى.

يأتي ذلك بعد أن أعلنت وزارة الصحة بغزة، الأسبوع الماضي، تسجيل إصابة بشلل الأطفال هي الأولى منذ 25 عاما لطفل يدعى عبد الرحمن أبو الجديان، ويبلغ من العمر عاما واحدا، كما اكتُشف فيروس شلل الاطفال (من النمط 2) في 6 عينات تم أخذها من مياه الصرف الصحي بقطاع غزة في يوليو/تموز الماضي.

وافتتحت وزارة الصحة بالتعاون مع وكالة “أونروا” ومنظمات دولية شريكة، نقاطا طبية للتطعيم في مدينة دير البلح وبلدة الزوايدة ومخيم النصيرات، بينما لم تتمكن الطواقم الطبية من الوصول للمناطق الشرقية من وسط القطاع (مخيمي البريج والمغازي وشرقي دير البلح)، خوفا من استهدافها من قبل جيش الاحتلال، بحسب مسؤول طبي، تحدث للجزيرة نت.

وتقيّم الموظفة في نقطة تطعيم الأطفال في عيادة “أونروا” إيمان أبو ربيع إقبال الأهالي على أخذ اللقاح، بـ”الممتاز”، وتوضح للجزيرة نت “إقبال الأهالي كان هائلا، الأطفال من جميع الفئات المستهدفة وصلونا، والأمور ممتازة”، مؤكدة عدم مواجهتهم لمشاكل، ووجود وعي جيد لدى الأهالي بأهمية حماية أبنائهم.

وكان مما أثار انتباه الفرق الطبية مدى انتشار الأمراض الجلدية لدى الأطفال المُقبلين على أخذ اللقاح، حيث قالت أبو ربيع إنهم يخشون على أنفسهم من إصابتهم بالعدوى، وتضيف “الأطفال بنسبة 100% أو غالبيتهم العظمى مصابون بأمراض جلدية ظاهرة، ونخشى أن نصاب نحن بالعدوى خلال منحهم التطعيم”.

غدر الاحتلال

ورغم سير اليوم الأول من عملية التطعيم بسلاسة، وسط إقبال كبير من السكان، يخشى مدير عام الرعاية الأولية في وزارة الصحة بقطاع غزة الدكتور موسى عابد من “غدر الاحتلال الإسرائيلي”، ويقول للجزيرة نت “أتمنى ألا يكون هناك استهداف لأي من الطواقم الطبية، وأن تمر هذه الأيام بأمان على كل الطواقم”.

ويضيف “لدينا خشية كبيرة جدا من تعمّد الاحتلال استهداف الطواقم العاملة في إعطاء اللقاح، نحن في وضع سيئ جدا، الاستهدافات هنا وهناك، والاحتلال يواصل استهداف المستشفيات ومراكز الرعاية”، مبديا خشيته من استهداف إحدى النقاط التي تُقدم التطعيمات أو طواقم العمل فيها.

وحول سير عملية التطعيم في مرحلتها الأولى، أشار عابد إلى وجود الكثير من التحديات التي تواجههم بسبب إجراءات الاحتلال، وأهمها تقسيم قطاع غزة إلى مناطق منعزلة، ويقول “هناك نقاط هدنة لكن لا تشمل كل المنطقة الوسطى، كمناطق مُخيم المغازي ومخيم البريج وشرق دير البلح التي تقع ضمن المناطق الحمراء، ولم تستطع الطواقم الطبية الوصول إلى الأطفال فيها”، وأكد أنهم بانتظار التنسيق بين المؤسسات الدولية والاحتلال للتحرك إلى هذه المناطق”.

وأشاد المسؤول بوزارة الصحة، بمدى إقبال المواطنين على تطعيم أولادهم، معربا عن اعتقاده بأن الوزارة ستصل إلى هدفها المتمثل بإعطاء اللقاح إلى حوالي 90% من الأطفال، إذا سارت الأمور دون منغصات من جانب الاحتلال.

وفي ذات السياق، يأمل مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة أن تسير عملية التطعيم وفق الخطة المرسومة من قبل السلطات الحكومية بالتعاون مع المؤسسات الدولية، وأعرب في حديثه للجزيرة نت عن خشيته من استهداف جيش الاحتلال لعملية التطعيم، عبر قصف نقاط طبية أو سيارات وزارة الصحة والمؤسسات الدولية الشريكة.

ويضيف الثوابتة أن “هناك تحديات تواجه عملية التطعيم يفرضها الاحتلال، من خلال رفض الهدنة خلال عملية التطعيم، والخشية من استهداف الطواقم العاملة، وقد عبّرنا عن مخاوفنا هذه أكثر من مرة”.

واتهم الاحتلال بالتسبب في وصول مرض شلل الأطفال وغيره من الأوبئة إلى القطاع بسبب حرب الإبادة التي يمارسها منذ نحو 11 شهرا، وقال “تدمير شبكات الصرف الصحي ومنع وصول سيارات نقل النفايات للمكبات وتراكمها أدى إلى انشار الأوبئة والأمراض ومن ضمنها شلل الأطفال”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version