خاص

أدخل تعثر القطاع العقاري في الصين اقتصاد البلاد في دوامة تباطؤ، بعد أن شهد عقوداً من الازدهار حقق خلالها معدلات نمو قياسية، حيث يرجح خبراء اقتصاديون أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم لن يرى هذه المعدلات بعد اليوم أو على الأقل خلال الأعوام الخمسة أو العشرة المقبلة.

ويؤكد الخبراء أن الأزمة العقارية في الصين ليست عابرة وخصوصاً أنها تركت تأثيراً كبيراً على الاقتصاد بسبب النمو السريع والمضاربة الكثيرة في العقارات من قبل الشعب الصيني، ما أدى إلى إفلاس كبرى الشركات، مشيرين إلى أن القطاع العقاري الذي يمثل أهمية كبيرة للاقتصاد الصيني يمر بمرحلة انتقالية طويلة الأجل وإصلاحه يحتاج إلى سنوات عديدة.

وتقول شركة ” Grow Investment” العالمية لإدارة الأصول ومقرها الصين في تصريحات نقلها هاو هونغ كبير الاقتصاديين فيها:

– إن إصلاح قطاع العقارات في الصين قد يستغرق سنوات إن لم يكن عقداً من الزمن، والسبب هو بناء عدد كبير جداً من المساكن للشعب الصيني.

– إن سوق العقارات في الصين يعاني من تراجع ثقة المستهلكين في الشركات العقارية.

– لا تزال شركتا العقارات العملاقتان إيفرغراند وكانتري غاردن غارقتين في مشاكل الديون.

– ربما تكون حملة التحضر في الصين والتي كانت تتقدم بسرعة كبيرة في السنوات العشر الماضية تقترب من نهايتها وهذا قد يؤدي إلى مزيد من الضرر لقطاع العقارات المتعثر بالفعل.

-انخفضت أسعار المنازل الجديدة في الصين في أغسطس بنسبة 0.3 بالمئة على أساس شهري ما أدى إلى استمرار تراجع سوق العقارات حيث يمثل الرقم أيضاً انخفاضاً بنسبة 0.1 بالمئة مقارنة مع العام الماضي.

من جهته يقول هي كينغ، النائب السابق لرئيس مكتب الإحصاءات الصيني في تصريحات صحفية خلال توصيفه لأزمة العقارات في الصين: “إن سكان الصين البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة لن يتمكنوا من ملء الشقق غير المأهولة في جميع أنحاء البلاد”.

مرحلة انتقالية طويلة الأجل

في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يقول علي حمودي، الخبير الاقتصادي الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”: “يشكل القطاع العقاري العمود الفقري لاقتصاد الصين، حيث يسهم بنحو 30 بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مع وجود نحو 80 بالمئة من ثروة المواطنين في هذا القطاع، لكن هذا القطاع مع أزمة الديون لشركتي التطوير العقاري كانتري غاردن و”تشاينا إيفرغراند”، يمر بمرحلة انتقالية طويلة الأجل وإصلاحه يحتاج إلى سنوات عديدة، فضلاً عن أنه يتعين على الصين أن تقلل من اعتمادها على القطاع نظراً للاتجاهات السكانية المتغيرة”.

ويوضح حمودي أن “القصة بدأت من شركة إيفرغراند بصيغة اقتصادية بسيطة هي، الاقتراض لشراء الأرض، وبيع المنازل على الخارطة قبل بنائها، واستخدم أموال المبيعات للدفع للمقرضين وتمويل المشروع العقاري التالي، وعلى مدى عقدين بدءاً من منتصف التسعينيات، كان هذا النهج مربحاً للغاية مع ارتفاع أسعار المساكن في الصين إلى عنان السماء لتتحول إيفيرغراند إلى إمبراطورية عقارية، ولكن في الآونة الأخيرة، أصبحت الشركة مثقلة بالديون بشكل متزايد ولجأت إلى استراتيجيات غير تقليدية لجمع الأموال ما زاد من أزمة العقارات في البلاد”.

وعلى الرغم من محاولة الحكومة إصلاح القطاع لمنع حدوث فقاعة الإسكان، عبر طرح سلسلة من إجراءات التحفيز، مثل خفض معدلات الرهن العقاري والسماح للبنوك بتقديم القروض للمطورين، ومع ذلك فإن الموردين والمقاولين من الباطن وتجار المواد والوكلاء يشكون من تخلفهم عن الرُكب حيث يعطي النظام الأولوية لمشتري المنازل الذين يسعون إلى تسليم منازلهم غير المكتملة ما أدى إلى تسريع انكماش القطاع العقاري، بحسب الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”.

التركيز على بناء المساكن انتهى زمنه

وأمام هذا الواقع لم يعد بوسع الصين أن تعتمد على القطاع العقاري لتغذية النمو الاقتصادي، فضلاً عن أن انخفاض معدل المواليد أيضاً يعني أنها لم تعد في حاجة إلى كل هذا العدد الكبير من المساكن، حيث وصل المعدل إلى أدنى مستوياته على الإطلاق وبدأت الشيخوخة تتسارع بين السكان، وقد فرض هذا الاتجاه ضغوطاً على دفع معاشات التقاعد ونمو الأجور في جميع أنحاء البلاد، وفقاً لحمودي.

ويرى الخبير الاقتصادي حمودي أنه من المهم بالنسبة للصين التي اعتادت التركيز على بناء المساكن الجديدة، فتح المزيد من القنوات الاستثمارية وتوجيه رأس المال نحو تحفيز الاستهلاك وقطاع الخدمات والصناعات الأخرى، لأن ذاك النهج الذي اعتادت عليه انتهى زمنه.

العقار يخيب آمال تعافي النمو الاقتصادي

بدوره، يقول الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” طارق الرفاعي إن “الأزمة العقارية التي تشهدها الصين حالياً بالتأكيد لن تجد طريقها إلى الحل خلال عام أو عامين، بل تحتاج إلى عدة أعوام، لأنها مشكلة كبيرة جداً أثرت على الاقتصاد الصيني ككل بسبب النمو السريع والمضاربة الكثيرة في القطاع العقاري من قبل الشعب الصيني، وهو ما أدى إلى إفلاس بعض الشركات الكبرى وسنرى تباعاً تسارع إفلاس شركات أخرى في هذا القطاع”.

وفيما أذ كان القطاع العقاري سيخيّب آمال تعافي الاقتصاد الصيني يقول الرفاعي: “القطاع العقاري يعد من أكبر وأهم القطاعات في الدولة حيث يمثل بين 25 و30 بالمئة من حجم الاقتصاد الصيني من الناحية الاستثمارية والإنتاجية، والتباطؤ في هذا القطاع وبالأخص الأزمة الكبيرة التي تواجهها الصين بسبب تعثر هذا القطاع سيكون لها تأثير كبير على النمو الاقتصادي”.

ركود الاقتصاد

يذهب الرفاعي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أبعد من ذلك متوقعاً أن يدخل الاقتصاد الصيني في مرحلة ركود، وخصوصاً مع ضعف الكثير من مؤشرات الاقتصادية التي أظهرتها البيانات الحكومية في الفترة الأخيرة والتي أدت إلى تباطؤ الاقتصاد وتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي.

ويؤكد الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” أن مستويات النمو القياسية للاقتصاد الصيني والتي شهدها العالم خلال العقود الثلاثة أو الأربع الماضية لن نرى مثلها اليوم بل خلال السنوات الخمسة الأخيرة على الأقل، فبسبب تأثير القطاع العقاري على اقتصاد البلاد سنرى النمو في اتجاه نزولي مستمر.

يشار على أن قطاع العقارات الصيني يعاني من نقص حاد في السيولة منذ أواخر 2021 عندما انهارت مجموعة إيفرغراند” وتسبب انهيارها في سلسلة من حالات العجز عن سداد الديون، ثم تلقى الاقتصاد الصيني صفعة ثانية من القطاع العقاري وذلك بعد أن كشفت عملاقة التطوير العقاري “كانتري غاردن” عن خسائر يتوقع أن تصل إلى سبعة مليارات ونصف المليار دولار في ستة أشهر.

وكانت بنوك عالمية خفضت توقعات نمو الاقتصاد الصيني لهذا العام نتيجة المخاوف بشأن قطاع العقارات المتعثر، حيث توقع مورغان ستانلي نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين 4.7 بالمئة انخفاضا من توقعه السابق نمواً يبلغ خمسة بالمئة، كما خفض توقعه لنمو الناتج الإجمالي المحلي لعام 2024 إلى 4.2 بالمئة من 4.5 بالمئة، وخفض جيه.بي مورغان توقعات النمو إلى 4.8 بالمئة من خمسة بالمئة بينما خفض باركليز التوقع إلى 4.5 بالمئة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version