خاص

تشهد أسعار العقارات في مصر ارتفاعات غير مسبوقة؛ بسبب الضغوطات الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد في الآونة الأخيرة، وتحت وطأة نقص السيولة الدولارية وانخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية؛ بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم.

يأتي ذلك في وقت يلجأ فيه عديد من المستثمرين، المؤسسات والأفراد، إلى شراء العقارات -كمخزن قيمة- من أجل الحفاظ على أموالهم، بعد تعرض الجنيه إلى انخفاض كبير في قيمته، ومع احتمالات خفض جديد مرتقب في الفترة المقبلة.

وطبقا لتقديرات تقارير محلية، فإن الأسعار ارتفعت خلال العام الجاري 2023 بنسبة تصل إلى 75 بالمئة، في ضوء تراكم الأعباء الاقتصادية الناجمة عن العوامل الجيوسياسية وتداعياتها، وبشكل خاص الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها وما فرضته من ضغوطات واسعة على مختلف الاقتصادات.

ومن المتوقع أن تتواصل تلك الزيادات خلال العام المقبل 2024، لا سيما في ظل حالة عدم اليقين التي يواجهها الاقتصاد العالمي، ومع تصاعد المخاطر الجيوسياسية وانعكاساتها على البلاد.

وفيما يتفق العاملون بالقطاع حول ارتفاع الأسعار خلال العام المقبل، إلا أن تقديراتهم تختلف لجهة النسبة التي يمكن أن ترتفع بها. 

وبحسب ما نقلته تقارير إعلامية عن رئيس مجلس الإدارة والمجموعة التنفيذية لشركة بالم هيلز للتعمير، ياسين منصور، فإنه يتوقع أن تشهد أسعار العقارات ارتفاعاً بنسبة تصل إلى 40 بالمئة خلال العام المقبل 2024.

بينما نقلت تقارير عن شركة التعمير للتمويل العقاري “الأولى”، تقديرات بارتفاعات محتملة للأسعار تصل إلى 25 بالمئة.

ارتفاع الأسعار

يقول المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات بالقاهرة، المستشار أسامة سعد الدين، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • المنتج العقاري سوءاً كان إدارياً أو سكنياً أو تجارياً هو عبارة عن مجموعة من المدخلات؛ مثل الحديد والأسمنت والطوب وما إلى ذلك من مواد البناء وما يرتبط بها.
  • شهدت أسعار تلك المدخلات ارتفاعات تدريجياً، وبما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة العقارات.
  • هناك بعض الأسباب الأخرى المرتبطة باستيراد بعض تلك المواد من الخارج والتي تؤثر في النهاية على أسعار المنتج العقاري.
  • ارتفاع معدلات التضخم بالبلاد كانت له تأثيرات واسعة.

ووصلت معدلات التضخم الأساسي في مصر إلى 38.1 بالمئة في أكتوبر من 39.7 بالمئة في سبتمبر، طبقاً للبنك المركزي، الذي أشار إلى أن الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، سجل معدلاً شهرياً بلغ 1.8 بالمئة في أكتوبر 2023 مقابل معدلاً شهرياً بلغ 3 بالمئة في ذات الشهر من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.1 بالمئة في سبتمبر 2023.

ويضيف سعد الدين: “الشركات العقارية تتحوط من ارتفاع معدلات التضخم (وانخفاض قيمة العملة) في خلال فترة لا تقل عن 3 سنوات، والسبب وراء ذلك أن المنتج العقاري لا يباع بشكل فوري “كاش” ففي الأغلب يتم البيع على شكل أقساط ولمدة تصل إلى نحو 5 سنوات أو أكثر”.

ولذلك يعمل المطور العقاري على تأمين نفسه من ارتفاع معدلات التضخم المتوقعة، بحسب سعد الدين، الذي يلفت إلى أن العقار هو مخزون حقيقي للقيمة، لكن أحيانا هناك بعض الأفراد والشركات تزيد من سعر العقارات بشكل مبالغ فيه.

ويشار إلى أنه بحسب بيانات أوردها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، في تقرير حديث له، فإنه:

  • يُتوقع نمو حجم سوق العقارات السكنية في مصر من 18.04 مليار دولار خلال العام الجاري 2023 إلى 30.34 مليار دولار بحلول عام 2028 (بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.96 بالمئة).
  • يأتي ذلك النمو المتوقع مدعوماً بتزايد الطلب على الوحدات السكنية في المدن الرئيسة في مصر، فضلا عن المبادرات الحكومية والمشاريع المقبلة أيضًا من المحركات الرئيسة للسوق.

وبحسب بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فإن حجم مساهمة قطاع البناء والتشييد في معدل النمو السنوي من إجمالي القيمة المضافة بتكلفة عوامل الإنتاج بالأسعار الثابتة، بلغت 6.99 بالمئة خلال العام المالي 2021/ 2022، وبلغت النسبة في قطاع الأنشطة العقارية نحو 3.24 بالمئة خلال العام نفسه، وفق التقرير المشار إليه.

شبح الركود

بموازاة ذلك ومع وصول الأسعار إلى مستويات قياسية، تتخوف الأسواق من الوصول إلى مرحلة الركود، وهي التخوفات التي يرد عليها الخبير العقاري، بقوله: “إن كم الإنتاج من العقارات لديها أقل من الاحتياج الفعلي على أرض الواقع بسبب ارتفاع نسبة عدد السكان والذي تخطى 110 مليون نسمة”.

ويلفت إلى “وجود عقيدة لدى الشعب المصري مبنية على أن يكون لدى كل شاب قبل الزواج شقة، وهذا يؤثر بالطبع على زيادة معدل الطلب على العقارات، فالاحتياج متواجد سنوياً”، على حد قوله.

ويضيف إلى ذلك العامل وجود عامل آخر، وهو نشاط صغار المستثمرين الذين يتوجهون إلى شراء العقارات والاستثمار فيها من خلال تأجيرها أو استخدامها خوفاً من تآكل قيمة الأموال، ومن ثم لن يحدث أي نوع من الركود في السوق العقارية داخل مصر، في تقديره.

وبسؤاله أيضاً عن كيفية تغلب الشركات على ارتفاع أسعار العقارات واحتمالية طرح عروض أو أقساط على مدة زمنية أطول،  يشدد الخبير العقاري، في تصريحاته، على أن الشركات لن تتحمل أي أعباء أو أي نوع من المخاطرة في المراحل المقبلة.. ويقول في هذا السياق:

  • هناك بعض الشركات والمطورين في الأسواق العقارية ليست لديهم أي دراسة فعلية وبالتالي يتعرضون إلى أزمات شديدة جداً نتيجة لتحرير سعر الصرف المستمر.
  • الشركات الآن تعمل بمعادلة التوقع (توقع مستوى التضخم في الفترة المقبلة وسعر العملة)، بالإضافة إلى وضع نسبة من الأرباح.

المستويات العالمية

من جانبه، يتفق استشاري الهندسة المدنية المعمارية الخبير العقاري، محمد بدير، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، مع التوقعات التي تشير لارتفاعات محتملة بأسعار العقارات في مصر بنسبة تصل إلى 40 بالمئة، متأثرة بالعوامل الخارجية بشكل خاص والتي تتأثر بها مختلف دول العالم.

ويشير إلى أن السوق العقارية سريعة ومتطورة بشكل كبير، ما يجعل من الصعب تحديد النسبة بشكل دقيق. ومع ذلك، فإن  العوامل الجيوسياسية وما يصاحبها من تأثيرات تؤثر دائماً على المواد الخام المستخدمة في الإنشاءات، وبما يتسبب في ارتفاع أسعارها وهذا التأثير ليس محصوراً في مصر فحسب، بل يمتد إلى جميع أنحاء العالم.

ومن المتوقع أن يؤدي هذا الارتفاع في أسعار المواد الخام إلى تراجع إقبال المشترين والمستثمرين على شراء العقارات، مما يتسبب في تباطؤ السوق بشكل عام، في تقديره الشخصي.

لكنه لا يعتقد أن ثمة ما يمكن وصفه بـ “الفقاعة العقارية”، مشدداً على أن المستثمرين في قطاع العقارات عادةً ما يقومون بالاستثمار بناءً على دراسات جدوى وتحليلات عالية المستوى، ما يعني أنهم يتمتعون بالخبرة والكفاءة اللازمة للدخول في مجال الاستثمار العقاري.

وبالنسبة للشركات التي تعمل في قطاع العقارات، يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

  • الشركات الاستثمارية التي تقوم بتطوير العقارات.
  • شركات المقاولات التي تعمل في مجال البناء والتشييد.
  • وكذلك المصنعون والموردون للمواد اللازمة للعقارات.

ويوضح أن كل تلك الشركات تواجه تحديات كبيرة، مثل صعوبة بيع العقارات بالنسبة للمستثمرين وارتفاع تكاليف الإنشاءات. وبالنسبة للمقاولين، سيتراجع الطلب على خدماتهم في السوق، بينما يتراجع الطلب  على المواد المستخدمة في العقارات لدى المصنعين والموردين، مما سيؤدي إلى تراجع الأرباح والدخل.

ولكن للتغلب على هذه التحديات، يشير إلى أنه يتعين أن يتم التفكير بشكل استراتيجي، من خلال خطة تتضمن تقليل التكاليف وتحسين كفاءة العمليات. ويمكن أن تشمل هذه الاستراتيجيات تنويع مصادر المواد الخام للتخفيف من تأثير ارتفاع أسعارها والبحث عن مصادر بديلة أكثر توفراً وتنافسية. كما يمكن للشركات تحسين الإنتاجية وتطبيق تقنيات البناء المبتكرة لتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version