يشهد البحر الأحمر حالة من التوتر وعدم الاستقرار، بفعل تصاعد هجمات جماعة الحوثي اليمنية على السفن المارة عبر مضيق باب المندب. وقد خرجت هذه الهجمات عن كونها مجرد مناوشات، لتتحول إلى تهديد حقيقي للتدفق السلس للبضائع والطاقة عبر هذا الشريان الحيوي للتجارة العالمية. إن التأثيرات الاقتصادية لهذه الأحداث تتجاوز حدود المنطقة لتلقي بظلالها على حركة النقل البحري العالمية، وهو ما يستوجب تدقيقا في العلاقة المتشابكة بين الاقتصاد وهذه الهجمات وتأثيراتها على حركة التجارة العالمية.

  1. خنق الشريان: بوابة الاقتصاد العالمي تتعثر

يمثل البحر الأحمر بوابته الجنوبية قناة السويس، الشريان الذي تمر عبره ما يقرب من 12% من تجارة العالم. تشكل منطقة باب المندب قُمعا بحريا ضيقا يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، ويعتمد عليه نحو 30% من حركة حاويات السفن العالمية. لذا، فإن أي إعاقة لحركة الملاحة في هذه المنطقة تعود بتأثيرات عميقة على سلاسل توريد السلع الأساسية والمنتجات الصناعية على المستوى العالمي.

شهدت الأشهر الأخيرة هجمات حوثية استهدفت سفنا تجارية وناقلات نفط، وبعضها مرتبط بشركات إسرائيلية. أدى ذلك إلى اتخاذ بعض شركات الشحن الكبرى مثل Maersk و Hapag-Lloyd قرارات بتغيير مسارات سفنها واللجوء إلى طرق أطول حول رأس الرجاء الصالح لتجنب مخاطر الهجمات. نتج عن ذلك زيادة في زمن نقل البضائع وارتفاع في تكاليف الشحن، وهو ما ألقى بثقله على كاهل المستوردين والمستهلكين حول العالم.

  1. تصاعد أسعار الطاقة: ضريبة عدم اليقين في البحر الأحمر

يعد البحر الأحمر ممرا رئيسيا لنقل النفط الخام ومشتقاته من منطقة الشرق الأوسط إلى الأسواق العالمية. تمثل منطقة الشرق الأوسط ما يقرب من 50% من صادرات النفط الخام عالميا، ويعتمد عليها بشكل كبير في تلبية احتياجات الطاقة العالمية. لذا، فإن أي اضطراب في تدفقات النفط عبر البحر الأحمر من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، مما يضغط على تكاليف السلع والخدمات ويؤثر على النمو الاقتصادي العالمي.

تُظهر الهجمات الحوثية إمكانية استهداف البنية التحتية النفطية، بما في ذلك المنشآت النفطية ومحطات التكرير على سواحل البحر الأحمر. وقد دفع ذلك شركات التأمين إلى رفع أسعار التأمين البحري على السفن العابرة للمضيق، مما زاد من تكاليف الشحن النفطي وأسهم في ارتفاع أسعار الوقود عالميا.

  1. ظلال القلق: سحب سوداء على حركة التجارة العالمية

لا تقتصر تأثيرات الهجمات الحوثية على ارتفاع الأسعار، بل تمتد لتؤثر على ثقة المستثمرين والنشاط الاقتصادي العالمي. حالة عدم اليقين التي تفرضها الهجمات تخلق سحبا سوداء في سماء حركة التجارة العالمية، وتؤدي إلى تراجع الاستثمارات وتباطؤ النمو الاقتصادي. يتردد المستثمرون في ضخ أموالهم في مشاريع متعلقة بالتجارة عبر البحر الأحمر، كما تتجنب شركات الشحن بعض المناطق التي تشهد توترا، مما يعطل سلاسل الإمداد ويبطئ حركة البضائع.

يضاف إلى ذلك، خطر التصعيد الإقليمي الذي قد يأتي ردا على هذه الهجمات. تتحرك أطراف إقليمية ودولية لإرسال قوات بحرية لمراقبة وحماية الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما يزيد من احتمالية وقوع اشتباكات عسكرية غير مقصودة. إن أي تصعيد من هذا القبيل من شأنه أن يغلق تماما الممر البحري الحيوي، ويعطل حركة التجارة العالمية بشكل كارثي.

شاركها.
اترك تعليقاً

© 2025 الشرق اليوم. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version