بغداد – تواجه الحكومة العراقية تحديات كبيرة خصوصا ارتفاع الدين الداخلي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، ليصل إلى مستوى قياسي جديد بلغ 80 تريليون دينار (61 مليار دولار)، في ضوء العجز المالي المتوقع والاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية التي أخذت أسعارها تتراجع مؤخرا، ومع ذلك، فإن التركيز على تغيير منهجية الإيرادات غير النفطية والبحث عن مصادر مالية جديدة يُعتبر خطوة مهمة لتحقيق الاستقرار المالي في المستقبل.

وبحسب ما أوضح الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في تحليل نشره عبر صفحته في الفيسبوك، فإن هذه الزيادة الكبيرة في الدين العام الداخلي تعكس وجود عجز كبير في موازنة العام الحالي، مشيرا إلى أن البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي العراقي تؤكد ارتفاع الدين الداخلي بمعدل يتجاوز التريليون دينار شهريا، مما يشير إلى استمرار اتساع الفجوة بين الإيرادات والنفقات الحكومية.

وصوت مجلس النواب العراقي، في 12 يونيو/حزيران 2023 على مشروع قانون الموازنة العامة للسنوات المالية (2023، 2024، 2025).

تصفير الديون الخارجية

عضو اللجنة المالية بالبرلمان العراقي، معين الكاظمي، أكد أن الديون المترتبة على الحكومة العراقية تتراوح بين 70 تريليون دينار (53 مليار دولار) إلى 80 تريليون دينار (61 مليار دولار)، مشيرا إلى أن هذا الموضوع يُعتبر مسيطَرا عليه وطبيعيا في كافة دول العالم.

وأوضح الكاظمي خلال حديثه مع “الجزيرة نت” أن العجز المالي الحالي يُعتبر عجزا افتراضيا، حيث إن الموازنة المخططة لعام 2024 تبلغ 211 تريليون دينار (161 مليار دولار) كمصروفات، لكن الصرف الفعلي لم يتجاوز 100 تريليون دينار (76 مليار دولار) حتى الآن.

وأشار الكاظمي إلى أن الإيرادات الحكومية النفطية وغير النفطية لا تصل إلى 140 ترليون دينار (107 مليارات دولار)، مما يجعل الصرف يعتمد على السيولة النقدية المتاحة لدى وزارة المالية، مؤكدا أن هذه السيولة تكفي لتغطية رواتب الموظفين والمتقاعدين، بالإضافة إلى الرعاية الاجتماعية والمصروفات التشغيلية الأخرى، لكن هناك عجزًا ملحوظًا في الجانب الاستثماري، خاصة في مجالات العمران والبناء، التي يجب أن تمولها المحافظات والوزارات.

وأوضح الكاظمي أن العراق تقريبًا قد تم تصفير ديونه الخارجية، مما يُعتبر خطوة مهمة في ضوء الديون الداخلية التي يمكن السيطرة عليها من خلال الاقتراض من البنك المركزي أو بيع سندات للمواطنين.

وأعلنت وزارة المالية، وبالتعاون مع البنك المركزي العراقي، منتصف الشهر الجاري عن طرح الإصدارية الثالثة من سندات (إنجاز) الحكومية للاكتتاب العام بقيمة إجمالية تصل إلى 1.3 تريليون دينار (مليار دولار).

ولفت الكاظمي إلى أن الشيء الأساسي والمهم هو تغيير منهجية الإيرادات غير النفطية، حيث لا يمكن الاعتماد فقط على الإيرادات النفطية.

وقد أشار إلى أن العراق يصدر حاليا 3.5 ملايين برميل نفط بسعر 70 دولارًا، لكن هذا السعر قد ينخفض إلى 50 دولارًا، مما يجعل الحكومة بحاجة إلى البحث عن مصادر أخرى للإيرادات، داعيا إلى جدية من الحكومة والتعاون من البرلمان ككتل سياسية من أجل أن يوضّح للشعب العراقي أنه لا بد من التطلع إلى القطاع الخاص والبحث عن مصادر مالية أخرى غير المصدر النفطي.

رواتب الموظفين وبرامج الحكومة

الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، من جانبه استبعد تأثير الدين الداخلي على رواتب الموظفين أو برامج الحكومة العامة في العراق، مشيرا إلى أن العراق يتجه نحو إصدار أنواع متعددة من السندات لتغطية العجز المالي، مما قد يؤدي إلى تخفيض حجم الدين الداخلي في المستقبل.

وقال المحسن خلال حديث “للجزيرة نت”، إن الدين العام يعتبر من العوامل الرئيسية التي تؤثر على مستوى الاستقرار الاقتصادي في أي بلد، والعراق ليس استثناء من ذلك، مستدركا بالقول إن الحكومة العراقية تلجأ إلى تمويل العجز المالي إما من خلال الاقتراض الخارجي أو الاقتراض الداخلي، وهو نوع من أنواع الاقتراض من المصارف الخاصة أو الحكومية، منوها إلى أن سياسة البنك المركزي العراقي تمنعه من إقراض الحكومة.

وأضاف أن حجم الدين الداخلي في العراق يبلغ حوالي 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي، قائلا “لكن لا نعتقد أن هذا الحجم سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد العراقي، مؤكدا أن العراق يتجه نحو إصدار أنواع متعددة من السندات لتغطية العجز المالي، مما قد يؤدي إلى تخفيض حجم الدين الداخلي في المستقبل”.

وتابع “بالنسبة للمشاريع الحكومية، فإن حجم الموازنة الاستثمارية الحالية يبقى قليلا، حيث بلغت 34 تريليون دينار (26 مليار دولار)، وهو رقم لا يمثل شيئا مقارنة بالموازنة العامة التي ارتفعت إلى أكثر من 122 تريليون دينار (93 مليار دولار)، بالتالي، فإن ارتفاع الدين الداخلي ليس من المتوقع أن يؤثر بشكل كبير على هذه المشاريع”.

ورجح المحسن عدم تأثير ارتفاع الدين الداخلي على رواتب الموظفين، حيث تتجه سياسة الحكومة باتجاه التركيز على الجانب الاجتماعي أكثر من الجانب الاقتصادي، وهذا هو السبب وراء ارتفاع العجز الداخلي، مشددا على أن الحكومة تحاول توفير المزيد من الخدمات للمواطنين على حساب المشاريع العامة والأبواب الأخرى المهمة في الموازنة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version