الرباط – حصل المغرب وضع “شريك الحوار القطاعي” لدى رابطة دول جنوب شرق آسيا المعروفة اختصارا باسم “آسيان”، وصادق وزراء خارجية الرابطة خلال اجتماعهم الاثنين بجاكرتا رسميا على منح المملكة المغربية هذا الوضع.

وأوضح بيان للخارجية المغربية أن المملكة أصبحت بهذا القرار أول بلد في شمال أفريقيا يحظى بهذا الوضع، وهو بذلك يعزز موقعه كمحاور مفضل لهذا التجمع الجيوسياسي والاقتصادي ذي الأهمية الكبيرة.

وأضاف المصدر أن تأكيد وضع” شريك الحوار القطاعي” للمغرب يكرس رؤية الملك محمد السادس القائمة على تنويع الشراكات وانفتاح المملكة على فضاءات جيوسياسية جديدة، مضيفا أن هذا القرار يشكل أيضا اعترافا من هذا التجمع بدور المغرب، كقطب للاستقرار في أفريقيا والعالم العربي، وهو يعكس كذلك دينامية الشراكات بين المغرب وبلدان جنوب شرق آسيا .

وتم الإعلان عن الاتفاق المبدئي لمنح “وضع شريك الحوار القطاعي” للمغرب خلال الاجتماع الـ 56 لوزراء الشؤون الخارجية بدول الآسيان الذي انعقد يومي 11 و12 يوليوز/تموز المنصرم بجاكارتا.

ويدعو ميثاق رابطة آسيان إلى تطوير علاقات الصداقة والتعاون والحوار والشراكات المتبادلة المنفعة مع الدول والمنظمات والمؤسسات شبه الإقليمية والإقليمية والدولية.

وينص هذا الميثاق على أشكال متنوعة للشراكات حيث أن العلاقات الخارجية لدول الرابطة تحدد إطار عملها لتوسيع وتعميق علاقاتها مع الأطراف الخارجية من خلال منحها الوضع الرسمي لتكون شريكا في الحوار أو شريكا في الحوار القطاعي أو شريكا في التنمية بشرط الالتزام بقيم ومعايير هذا التكتل.

تعرف على الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لرابطة دول جنوب شرق آسيا

مسار إيجابي للعلاقات

تعد رابطة دول جنوب شرق آسيا -وهي اتحاد سياسي واقتصادي- سابع أكبر اقتصاد في العالم، وتأسست عام 1967 في بانكوك ومقرها جاكرتا.

تهدف الرابطة إلى تسريع النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتنمية الثقافية لأعضائها لرفع مستويات معيشة شعوبها وتقوية التبادل الحر بين الدول الأعضاء في الرابطة والأقطاب الاقتصادية المجاورة وتعزيز السلم والاستقرار في المنطقة إلى جانب أهداف سياسية وثقافية وعلمية وأمنية أخرى.

وتضم الرابطة حاليا في عضويتها 10 دول آسيوية هي: ماليزيا، وأندونيسيا وسنغافورة، وبروناي، وكمبوديا، ولاوس، وميانمار، والفلبين، وتايلاند، وفيتنام.

وبحصوله على “وضع شريك الحوار القطاعي”، يصبح المغرب سابع دولة تحظى بهذا الوضع، وهو ما يتيح له حضور اجتماعات “آسيان” والتعاون مع الرابطة في قطاعات محددة مثل الاقتصاد والثقافة والتعليم، وهي خطوة تسبق عادة الحصول على العضوية الكاملة بهذا التكتل.

وتأتي هذه الخطوة المهمة تتويجا لمسار إيجابي للعلاقات بين المغرب وهذه الرابطة منذ توقيعهما على معاهدة الصداقة والتعاون سنة 2016، وتقديم المغرب ترشيحه للحصول على وضع الشريك القطاعي خلال نفس السنة.

ومنذ ذلك التاريخ، عززت المملكة حضورها في الهيئات الإقليمية الأخرى في جنوب شرق آسيا وخاصة تلك المرتبطة مؤسساتيا أو جغرافيا بتكتل آسيان.

ووقعت الرباط سنة 2017 و2022 مذكرتي تفاهم مع لجنة نهر الميكونغ التي تضم كمبوديا ولاوس وتايلاند وفيتنام، وفي 2020 حصل المغرب على صفة مراقب لدى الجمعية البرلمانية للرابطة، وعلى صفة “عضو شريك” لدى جمعية وزراء التربية بآسيان سنة 2021.

شركاء غير تقليديين

اتجه المغرب منذ حوالي 15 سنة نحو شركاء غير تقليديين مثل أوروبا الشرقية والمملكة المتحدة وكذا دول أميركا اللاتينية بجانب العمق الأفريقي، وفق ما أوضح الخبير الاقتصادي محمد الجدري في حديثة للجزيرة نت.

وأشار المتحدث إلى أن رابطة الآسيان تعد القوة الاقتصادية السابعة في العالم والثالثة في آسيا بناتج إجمالي محلي يناهز 2.6 ترليون دولار، وتحقق نسب نمو  عند 5% متجاوزة المعدل العالمي الذي عند 3 % بالإضافة إلى أنها تشكل تجمعا اقتصاديا كبيرا يضم أكثر من 664 مليون مستهلك.

ويرى الجدري أن الوضع الجديد للمغرب مع هذا التكتل لا يمكنه إلا أن يعود بالنفع على المكانة السياسية والاقتصادية للمملكة التي أصبحت بدورها تشكل قوة إقليمية في السنوات الماضية.

أما الخبير الاقتصادي مهدي فقير فيشير إلى أن المغرب باعتباره قوة اقتصادية صاعدة وواعدة حققت مؤشرات نمو مهمة ولها سياسات واضحة تخص التنمية الاقتصادية، جعلت الشركاء في مختلف دول العالم يرون فيه الشريك ذا المصداقية الذي يمكن إقامة علاقات اقتصادية دائمة معه. هذه المصداقية -يؤكد فقير- سمحت له بالتمتع بوضع متقدم مع تكتل آسيان.

ويسعى المغرب بهذه الشراكة -يضيف فقير- إلى تنويع شركائه الاقتصاديين وفق صيغة رابح-رابح والبحث عن آفاق اقتصادية جديدة إذ إنه لا يريد التموقع على الصعيد القاري فقط.

ويعد الاتحاد الأوربي (فرنسا وإسبانيا وألمانيا) والولايات المتحدة الأميركية وتركيا أهم الشركاء الاقتصاديين والتجاريين للمغرب.

ولفت فقير إلى أن الصين سبقت الدول الشرق آسيوية إلى المغرب للاقتراب أكثر من الزبناء الأوروبيين والأميركيين من خلال عدد من المشاريع، أهمها مدينة محمد السادس طنجة تيك وهي مدينة حديثة للعلوم والتكنولوجيا بنتها شركة الطرق والجسور الصينية وتضم منطقة للتجارة الحرة.

وأشار إلى أن تكتل آسيان شأنه شأن جميع التكتلات الاقتصادية يعيد النظر في سلاسل الإنتاج والتوريد ويبحث عن شركاء أقرب لأوربا مدفوعا بارتفاع تكلفة الشحن والنقل، والمغرب -يوضح المتحدث- سيتحول بحكم موقعه الجغرافي إلى منصة لهذه الدول لإنتاج وتصدير سلعها نحو أوربا وأيضا أفريقيا.

منافع اقتصادية

توقع مهدي فقير العديد من المنافع الاقتصادية للمملكة من هذه الشراكة، مشيرا إلى حدوث زخم جديد خصوصا في القطاعات التي يعول عليها المغرب خاصة القطاع الصناعي، في حين سيستفيد من نقل الخبرات والتكنولوجيا الآسيوية.

من جهته، يرى محمد الجدري أن هذه الشراكة ستعزز من قوة المغرب التفاوضية مع الشركاء الآخرين، كما ستفيده اقتصاديا عبر استيراد مجموعة من المواد التي يحتاجها الاقتصاد المحلي، بالمقابل سيعزز هذا الوضع ولوج الصادرات المغربية خصوصا الخضروات والفواكه والخدمات السياحية وغيرها لهذه السوق الاستهلاكية الجديدة.

ويضيف  الجدري أن وجود دول صاعدة تحقق نسب نمو مهمة مثل سنغافورة وأندونيسيا وماليزيا وتايلاند ضمن هذا التكتل سيجعل المستثمرين في هذه الدول يتجهون للاستثمار في المغرب مما سيعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.

ويؤكد فقير أن من شأن الانفتاح على شركاء في دول جنوب شرق آسيا الرفع من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version