دخلت الجزائر وموريتانيا منذ أعوام مرحلة من تنشيط العلاقات السياسية والاقتصادية بأهداف متعددة ومتنوعة، تطال تنشيط التبادل التجاري والاقتصادي، والتوجه نحو تقارب سياسي إزاء العديد من القضايا الأمنية والعسكرية التي تمر بها منطقة الصحراء والساحل بغرب أفريقيا.

ومنذ أن تولى الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني مقاليد الحكم سنة 2019 زار الجزائر 5 مرات، من ضمنها زيارة دولة تم خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم.

ووسط وتيرة التقارب المتصاعدة، زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون العاصمة الموريتانية نواكشوط مؤخرا، للمشاركة في المؤتمر القاري حول “التعليم ومستقبل الشباب والقابلية للتوظيف” المنظم برعاية الاتحاد الأفريقي الذي يترأسه الغزواني.

وكان الرئيس الجزائري الزعيم المغاربي الوحيد الذي حضر هذا المؤتمر الأفريقي إلى جانب مضيفه الموريتاني.

وحظيت الزيارة بزخم إعلامي كبير، لكونها أول زيارة لرئيس جزائري إلى نواكشوط منذ عهد الرئيس الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد، الذي زار موريتانيا عام 1987 للمشاركة في حفل انطلاق مشروع مصفاة النفط في العاصمة الاقتصادية نواذيبو الذي كانت بلاده مساهمة في تمويله وإدارته.

علاقات وزيارات

وجاءت الزيارة استكمالا لوتيرة علاقات متصاعدة بين البلدين، ففي أغسطس/آب من عام 2018 افتتح أول معبر حدودي بين الدولتين منذ استقلالهما عن فرنسا عام 1960، وأصبح التعاون التجاري والتبادل الاقتصادي عنوان المرحلة الجديدة من العلاقات.

وقد وجهت حكومة عبد المجيد تبون وقتها أرباب العمل ورؤساء شركات التصنيع إلى السوق الموريتانية، فتم تنظيم معرض المنتجات الجزائرية في أكتوبر/تشرين الأول 2018 وشاركت فيه 170 مؤسسة جزائرية.

وبعد انتخابه عام 2019 رئيسا لموريتانيا، أمضى الرئيس ولد الغزواني في التوجه نحو استعادة التعاون الاقتصادي والزخم السياسي مع الجزائر التي قال في وقت لاحق إنها شريك تاريخي لدولته.

وفي سبتمبر/أيلول 2022 ترأس الوزير الأول الجزائري أيمن عطاف وفد بلاده للمشاركة في اجتماع اللجنة المشتركة العليا بين البلدين المنعقدة في نواكشوط.

وخلال اجتماعات اللجنة المشتركة، تم التوقيع على 26 اتفاقية شملت العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والأمنية.

وحينها، قال وزير الطاقة الجزائري إن بلاده مستعدة لتأمين حاجة موريتانيا من النفط والعودة إلى سوق المحروقات في موريتانيا.

ملفات اقتصادية

قفز حجم التبادل التجاري من 50 مليون دولار عام 2018 إلى 414 مليون دولار سنة 2023، حسب الأرقام الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة الجزائرية.

ويتوقع أن يصل في العام الجاري إلى 700 مليون دولار مقارنة بنتائج الارتفاع في العامين الماضيين، كما ارتفع حجم إقبال الموريتانيين على البضائع الجزائرية خلال السنوات القليلة الماضية.

الطريق إلى أفريقيا

ومنذ فبراير/شباط الماضي، لم تتوقف الآليات والمعدات الثقيلة التي تسابق الزمن لإكمال الطريق بين تندوف الجزائرية وزويرات الموريتانية.

يمتد هذا الطريق الإستراتيجي على مسافة 840 كيلومترا وتبلغ كلفته أزيد من 600 مليون دولار ويتم إنجازه من طرف 10 مؤسسات جزائرية، كما يتكفل مكتب دراسات جزائري بمتابعة المشروع.

لكن الجزائر التي مولت الطريق الصحراوي لا ترمي فقط للوصول إلى المناجم والمعادن في وزويرات وعرض منتجاتها في بقية مدن موريتانيا، بل تهدف إلى العبور من هذه الصحراء الشاسعة نحو الأسواق الواعدة في أفريقيا.

فخلال كلمته في المؤتمر ركز تبون على العناية التي توليها حكومته في أفريقيا وتعهد ببذل المزيد من الجهود في سبيل تحسين التعليم في القارة، مضيفا أن عدد الطلبة الأفارقة المسجلين حاليا في جامعات الجزائر يبلغ نحو 6 آلاف، في حين تخصص البلاد 2000 منحة دراسية سنوية في التعليم العالي و500 منحة دراسية في التكوين المهني للطلبة الأفارقة.

ويرى الإعلامي والمحلل السياسي الحكيم بوغراراة أن الجزائر تسعى من وراء هذا الطريق لأن تصل إلى المحيط الأطلسي، خاصة ميناء نواذيبو الذي لا يبعد كثيرا عن مدينة وزويرات المنجمية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قال السفير الجزائري المقيم في نواكشوط محمد بن عتو إن بلاده باتت الشريك التجاري الأول لموريتانيا، مضيفا أن حجم التبادل التجاري زاد بنسبة 150% من دون أن يقدم أرقاما تفصيلية.

وفي تعليق للجزيرة نت قال رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية الدكتور ديدي ولد السالك إن زيارة عبد المجيد تبون إلى موريتانيا حدث مهم في الساحة المغاربية والأفريقية، لأن كل ما يعزز العلاقة بين الدولتين سيكون له انعكاس على المنطقة كلها.

وقال ولد السالك إن البلدين بحاجة إلى التشارك والتعاون، لأن الجزائر تهدف إلى التوغل تجاريا في السوق الأفريقية، وترى أن موريتانيا هي ممر العبور إلى كل دول المجموعة الاقتصادية لمنطقة غرب أفريقيا، كما أن نواكشوط تحتاج للسوق الجزائري الكبير وما فيه من إمكانات هائلة.

ويضيف أن موريتانيا أصبحت سوقا واعدا بحكم ثروة الغاز التي للجزائر تجربة طويلة في إدارتها ومعرفة استغلالها.

وتسعى الجزائر عن طريق موريتانيا إلى التمدد نحو سوق غرب أفريقيا الذي يعتبر مزدهرا بحكم إنتاجه المحلي الذي يقارب 800 مليار دولار، ومجموع سكانه الذين يصلون إلى 400 مليون نسمة.

ومنذ عام 2023 فتحت الجزائر فروعا بنكية في نواكشوط ونواذيبو ودكار وكوت ديفوار، بهدف تسهيل النفوذ إلى الأسواق في المنطقة، كما عملت بتجارة المقايضة (بيع سلعة بسلعة) مع موريتانيا ومالي والنيجر.

ملفات أمنية

تتقاسم نواكشوط والجزائر حدود برية حساسة يبلغ طولها 460 كيلومترا، وتنشط قربها العديد من الجماعات المسلحة، وعصابات الجريمة المنظمة التي تعمل في التهريب وتجارة المواد غير المشروعة.

وبفعل إكراهات الجغرافيا، تشترك نواكشوط والجزائر في حدود متداخلة مع دول الساحل الثلاث (مالي، النيجر، بوركينافاسو) التي جاءت في قائمة العشر الأولى ضمن تقرير مؤشر الإرهاب الأخير الصادر عن معهد السلام والاقتصاد الدولي في سيدني بأستراليا.

فبالإضافة للمصالح الاقتصادية المشتركة، تتقاسم الجزائر وموريتانيا تحديات أمنية تتسع رقعتها بسبب انهيار الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل بغرب أفريقيا.

ففي يوليو/تموز الماضي شهدت منطقة تينزاوتن قرب الحدود الجزائرية معارك دامية بين متمردي الطوارق ومرتزقة فاغنر التي تقاتل بجانب القوات المسلحة المالية.

وأمام هذه التحركات، أرادت الجزائر أن تنسق مع نواكشوط لاشتراكهما في التحديات الأمنية نفسها التي تهدد استقرار الجارتين.

وتعليقا على جهود الجانبين في التصدي للتهديدات الأمنية، قال رئيس أركان الجيش الموريتاني الفريق بله شعبان إن التحديات الأمنية المشتركة بين الجزائر وموريتانيا بسبب الأوضاع في الساحل تفرض ضبط الحدود وتسيير دوريات لمراقبتها.

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي زار قائد أركان الجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة نواكشوط وعقد جلسات متعددة مع نظيره الموريتاني الفريق مختار بله شعبان.

وفي ختام زيارته، أصدر الجيش الموريتاني بيانا مشتركا قال فيه إن البلدين يشتركان في مكافحة العنف والتطرف، والجريمة المنظمة في منطقة الساحل.

وفي حديث للجزيرة نت قال بوغرارة إن السوق الحرة بين الجزائر وموريتانيا التي تأتي بانعكاسات تنموية واضحة، تقف خلفها أبعاد أمنية، لأن تنمية المناطق الحدودية من شأنها ضبط الأمن والسيطرة على الحركات المتطرفة التي تنشط في مجال تهريب السلاح وتجارة المخدرات.

وأضاف أن استغلال المناطق الجغرافية الشاسعة بين البلدين مرهون بالاستقرار والقدرة على ضبط الحدود.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version