أثارت الإيرادات المنخفضة لأفلام نجوم الكوميديا المصريين في السنوات الأخيرة العديد من الأسئلة حول مستقبل الممثلين الذين لمع نجمهم مع بداية الألفية، ولعل إيرادات فيلم “مرعي البريمو” التي لم تتجاوز حاجز 15 مليون جنيه (484 ألف دولار) منذ بدء عرضه قبل أسابيع، هي الدليل الأحدث على ذلك.

وكان محمد هنيدي، بطل العمل، أكد في تصريحات سبقت عرض “مرعي البريمو” أن الفيلم سيمثّل عودة مختلفة بعيدا عن الإخفاق الذي لاحقه في أفلامه خلال السنوات الماضية.

ولم تفلح محاولات محمد سعد في أفلامه الأخيرة وآخرها “محمد حسين” الذي قدمه عام 2019، وحتى محاولة تغيير جلده مع شريف عرفة في “الكنز” لم تعده مجددا إلى الساحة، وكان سعد هو الأعلى إيرادات بشخصية “اللمبي”، التي أعاد تدويرها في أكثر من فيلم.

وتلاهم في التراجع كل من أحمد حلمي وهاني رمزي وغيرهما حتى وصل ذروته بعد عام 2011، وتأكد بـ”مرعي البريمو” الذي يبدو نهاية لموجة كوميديا الألفينات التي بدأها هنيدي بنفسه من خلال “إسماعيلية رايح جاي” في العام 1997.

وتراجع جيل الألفية، الذي انطلق مع نجاح فيلم “إسماعيلية رايح جاي” واحدا تلو الآخر، ليأتي السؤال الحاسم حول مصير جيل “المضحكين الجدد”، فهل تجاوزه الزمن؟ أم شعر الجمهور بالملل مما يقدمونه، وبدأ في البحث عن مضحكين آخرين؟

 إفلاس فني أم جماهيري؟

يقول الناقد السينمائي رامي عبد الرازق للجزيرة نت، إن هذا الجيل انهار سريعا، حيث بدأ تراجع هنيدي مع فيلم “بلية ودماغه العالية”، أما سعد فجاء تراجعه مع فيلم “كركر”، وأحمد حلمي مع “على جثتي” و”صنع في مصر”، وجاءت نهاية هذا الجيل تدريجيا لأسباب كثيرة، أهمها الإصرار على التوقف عند مرحلة زمنية بكل مشتملاتها، سواء على مستوى الشكل أو المرحلة العمرية أو حتى الموضوعات التي يتم عرضها والاعتماد على الإفيهات العكسية مثل أن يقول البطل جملة مثلا، ويحدث العكس لجلب الضحكات وهي طريقة قديمة.

شخصية وضحكة

أما الناقد إيهاب التركي، فأرجع سبب التراجع لإصرار هذا الجيل إلى التدخل في تفاصيل الفيلم إلى جانب أن أغلبهم جاء من المسرح التجاري، وكانوا قد اعتادوا على تقديم “كاركتر” على المسرح يعتمد على “الإفيه” وتوقفوا عنده أيضا سينمائيا بدون أي تطوير لنوعية الكوميديا الخاصة بهم.

وتعتبر الناقدة أمنية عادل أن الجمود هو السبب وراء هذا الانهيار، واستشهدت بتجربة الفنان عادل إمام صاحب المشوار الأطول، والذي لم يقع في هذا المأزق لاعتماده على مدارس فيلمية مختلفة؛ فتعاون مع المخرجين محمد خان ونادر جلال وشريف عرفة وهو ما فتح له آفاق مختلفة.

وقد ألقت أمنية اللوم على جيل الألفية بسبب محدودية في الأفكار التي يتم تقديمها في أفلامهم وإن كان جزء منها بسبب أزمة سقف الحريات، إلى جانب عدم وجود فنان منهم يمكن القول إنه صاحب قضية أو لديه رغبة في نقاش فكرة تطرح خلال السينما، وبالتالي فقد حل البديل وهو التسطيح.

محاولات لم يكتب لها النجاح

ولم يستسلم جيل الألفية للتراجع الجماهيري بسهولة، فشهدت السنوات العشرة الماضية محاولات للعودة على أمل الوجود. ويرى الناقد رامي عبد الرازق أن المحاولات لم تنجح بسبب اهتمام النجوم بتقديم “استكشات” بدون أي بناء درامي أو موضوع حقيقي، ليصبح العمل عبارة عن إفيهات فقط ومشاهد غير متناسقة، لأن الرهان كان على اسم البطل فقط بدون الاهتمام بباقي العناصر مثل السيناريو والصورة والإخراج.

ويضيف عبد الرازق قائلا، “وجود جيل الألفية أصبح مرتبطا بـ”ميمز” السوشيال ميديا فقط، حتى إن محمد هنيدي أصبح متفوقا على السوشيال ميديا أكثر منه في السينما، بينما حضور محمد سعد في “التريند” أصبح عبر الخلافات والمشاكل، وبالتالي نشأت مسافة بين هذا الجيل والأجيال اللاحقة”.

ويضيف قائلا، “لا يمكن أن يظل تفكيرهم محصورا فيما نجحوا فيه منذ عام 1998 بدون أن يراعوا اختلاف السوق السينمائي بعد 2011 وكذلك بعد كورونا، وبدون التفكير أيضا في أن الجمهور لن تضحكه نفس الأشياء التي كانت تضحكه قبل أكثر من 20 عاما”.

وترى أمنية عادل أن محاولات العودة أخفقت بالأساس في بناء تسلسل الحكاية الدرامية، “ومع الأسف يتم تجديد أسباب الفشل ففيلم “مرعي البريمو” لم يكن فيه حبكة أو قصة”، مؤكدة أن الفيلم الكوميدي له آليات سينمائية، ولا يمكن التعامل معه على اعتبار أنه محتوى فارغ، وباستسهال يسبب نفور الجمهور.

التغيير المطلوب

النجاح القصير لهذا الجيل لا يمكن اعتباره خط النهاية، ومن القاسي جدا إعلان انتهاء جيل الألفية، فلا تزال هناك حلول للخروج من الأزمة، وتقديم أعمال تضاف إلى رصيدهم الفني وتحدث حالة من الحراك السينمائي، كما يرى رامي عبد الرازق، الذي يعتبر أن التخلص من ميراث النجاحات القديمة هو أول الحلول للخروج من هذه الأزمة، للتركيز على الفئة التي يستهدفها الفيلم سواء الشباب الأصغر سنا أو الجمهور القديم، وهو ما يعني دراسة السوق السينمائي بشكل كبير.

ويرى عبد الرازق أيضا أن المجتمع شهد حراكا واضحا خلال السنوات الأخيرة، “ولا مانع أيضا من ظهورهم في أعمال معا مثل أفلام تضم هنيدي وحلمي أو سعد وهنيدي، مع محاولة استقطاب شرائح جماهيرية مختلفة وتقديم موضوعات فنية إلى جانب الكوميديا”.

من جانبه، يرى إيهاب التركي أن الاستعانة بنفس مخرجي أفلامهم القديمة لن يحقق أي نجاح، لأن الاعتماد على نفس الخطوات لن يعطي نتائج مختلفة، ولذلك لا بد من التفكير في التعاون مع مخرجين آخرين وكتاب سيناريو جدد، وأيضا ينبغي أن تضم أفلام جيل الألفية ممثليين كوميديين جددا مثل أحمد أمين وعصام عمر وطه دسوقي، وأن يتم تقديم أفكار طازجة تناسب العصر.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version