تسهم إعادة تأهيل مركز ثقافي بلدي قائم في قصر تراثي بوسط مدينة طرابلس اللبنانية وتدشين العمل به قبل يومين، في تنشيط الحياة الثقافية و”الحفاظ على الإرث التاريخي الغني” في “عاصمة الشمال”، بحسب الجهات التي تقف وراء المبادرة.

فمركز رشيد كرامي الثقافي البلدي هو في الأساس ما كان يُعرَف بقصر نوفل الواقع بقرميده الأحمر وفخامته في ساحة التل وسط المدينة الشمالية، حيث أقامه قنصل روسيا في طرابلس قيصر نوفل عام 1895 وسكن فيه مع عائلته.

وسمي هذا المعلم “قصر رشيد كرامي الثقافي البلدي” تيمنا برئيس الحكومة الأسبق، الذي اغتيل سنة 1987 بتفجير استهدفه، بينما كان عائدا من بيروت إلى مدينته طرابلس بواسطة طوافة عسكرية.

وشكّل القصر في مطلع القرن الـ20 معلما معماريا مميزا، إذ “صممه مهندسون إيطاليون وبُنيَ بمواد مستوردة من إيطاليا، وكان قرميده المستورد من مارسيليا الأكبر في وسط طرابلس”، على ما روى عضو المجلس البلدي في المدينة ورئيس لجنة الثقافة فيه باسم بخاش في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقبل أن تمتلك الدولة اللبنانية عام 1968 القصر مر بمراحل عدة، إذ حُول بحسب بخاش مطعما وملهى ليليا. ووهب آل نوفل حديقة القصر إلى البلدية التي حولتها لاحقا إلى متنزه عام يُعرف باسم “المنشية”، وبات يومها أول حديقة عامة في كل لبنان.

وفي العام 1978 افتُتِح قصر نوفل كمركز ثقافي تابع للبلدية وأُطلق عليه اسم “قصر نوفل الثقافي”. وتكريما لذكرى رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي بعد اغتياله، اتخذت البلدية قرارا بتغيير اسم القصر إلى “مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي”.

وافتُتح العمل في المركز مجددا صباح الأربعاء بعد سنوات كان فيها متروكا، إذ أُنجزت المرحلة الأولى لإعادة ترميمه وتأهيله بتمويل من الاتحاد الأوروبي وبمبادرة مشتركة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في المنطقة العربية.

وإلى جانب مكتبته العامة، سيفتح المركز أبوابه مجانا أمام الجهات الراغبة في إقامة أنشطة ثقافية، مما يسهم في تنشيط الحياة الثقافية في المدينة.

وشددت رئيسة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان تاينا كريستيانسن خلال احتفال التدشين على أن ترميم القصر “يسهم في الحفاظ على مساحة ثقافية وحيوية في مدينة طرابلس (…) وفي تعزيز الحركة الثقافية والاقتصادية فيها”.

وأضافت أنه “بمثابة شهادة على أهمية حماية التراث الثقافي في المدن من أجل الحفاظ على الإرث التاريخي الغني وصونه ليبقى للأجيال المقبلة”.

مركز للمعرفة والتلاقي

وتمنى بخاش “أن تتحول هذه المساحة الثقافية متنفسا للمدينة وأكسجينا للعلم والثقافة والتربية”، في حين رأت رﺋﯾﺳﺔ ﻗﺳم اﻟﺗﻌﺎون ﻟدى ﺑﻌﺛﺔ اﻻﺗﺣﺎد اﻷوروﺑﻲ ﻓﻲ ﻟﺑﻧﺎن أﻟﯾﺳﯾﺎ ﺳﻛوارﺳﯾﻼ في الموقع “مساحة مفتوحة للجميع، ومركزا للمعرفة والثقافة والتلاقي”.

واضطرت بلدية طرابلس -بحسب رئيسها أحمد قمر الدين- إلى اللجوء للمنظمات الدولية “جراء الكلفة المرتفعة لإعادة تأهيل القصر”.

وشمل الترميم بحسب بخاش إعادة تأهيل واجهات القصر والنوافذ والخشب والدرابزين والجدران المتضررة جراء تسرب المياه وبلاط الأرضية، ووُسِّعَت المكتبة العامة وزودت بما يلزم لزيادة طاقتها الاستيعابية.

وفي المراحل المقبلة من إعادة التأهيل، ستتم فهرسة الكتب مما سيسهل العودة إليها “ويضمن الحفاظ على المجلدات والوثائق التاريخية”، بحسب البيان الصحفي، وكذلك إقامة نظام يحول دون سرقتها وتأمين الإنترنت لمكتبة القصر وتحويلها مركزا تعليميا ديناميكيا.

وأضاف بخاش “نسعى في المراحل التالية من المشروع إلى تركيب نظام للطاقة الشمسية لتأمين التغذية الكهربائية، مما يتيح فتح أبواب القصر أمام الطلاب عصرا ومساء، عندما تنتهي دواماتهم الدراسية”.

يذكر أن طرابلس القديمة كانت متقوقعة داخل أسوارها، وبدأت بالخروج إلى فضائها الحديث ببناء ثكنة عسكرية وسرايا أواخر القرن الـ19 في منطقة تعرف بـ”التل”، ثم شيد قيصر نوفل البيت السكني الأول في القسم الجديد سنة 1892.

ووهب نوفل البلدية قطعة من الأرض المجاورة لمنزله لتصبح أول حديقة عامة في لبنان، وبذلك احتضنت مبادرة نوفل أول مكتبة عامة وحديقة عامة للبلد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version