لم يكن تحويل أعماله الأدبية إلى أفلام سينمائية هو الصلة الوحيدة التي تربط الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ بالشاشة الذهبية، فقد كان أيضا مبدعا في كتابة السيناريو.

فقد استطاع أن يترك بصمته في عدد كبير من الأفلام السينمائية منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى الثمانينيات، إلى جانب تقلده عددا من المناصب الإدارية التي ساهم من خلالها في إثراء السينما.

نجيب محفوظ -الذي حلت في 30 أغسطس/آب الذكرى الـ17 لرحيله- أثرى المكتبة الفنية في مصر والعالم العربي بأكثر من 149 عملا في السينما والتلفزيون والمسرح، ساهمت في أن يحظى بشهرة عريضة بعيدا عن شهرته كأديب، وهو ما أكده بنفسه حين قال “كنت دائما أنظر للسينما باعتبارها وسيلة فعالة في الوصول إلى قطاعات من الجماهير لم أكن سأصل إليها بالأدب”.

السيناريو أولا

عكست أعمال نجيب محفوظ -كاتبا للسيناريو وروائيا- الحالة السياسية والاجتماعية للمواطن البسيط، واستطاع تشريح المجتمع بأسلوبه الفلسفي الذي اتسم بالبساطة في الوقت نفسه، وساهمت في ذلك نشأته في أحد الأحياء الشعبية وهو حي الجمالية، حيث ولد في 11 ديسمبر/كانون الأول 1911، وقامت ثورة 1919 وهو لا يزال في السابعة من عمره، وتأثر بها في أعماله لاحقا، وأشهرها “بين القصرين”.

في عام 1938 كانت الرواية الأولى لنجيب محفوظ “عبث الأقدار”، والتي قادته لعالم السيناريو، ليس من خلال تحويلها إلى عمل سينمائي، ولكنها كانت الرواية التي تأثر بها المخرج صلاح أبو سيف، وانبهر بكتابة “محفوظ” وشعر بأنه صاحب ذهن متفتح وكاتب من طراز مختلف واكتشفه سينمائيا.

وفي منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، كان اللقاء الأول الذي جمع بينهما للمشاركة في كتابة سيناريو فيلم “مغامرات عنتر وعبلة”، والذي عرض عام 1948، وكان قد صدر قبله فيلم “المنتقم”.

يقول نجيب محفوظ عن تلك المرحلة “صلاح أبو سيف هو الذي علمني كيف أكتب السيناريو، وهو صاحب الفضل عليّ، ولولاه ما كتبت ورقة واحدة للسينما”.

نجيب محفوظ : عرفت وأتعلمت السيناريو لأول مرة من صلاح أبو سيف

تمرس نجيب محفوظ في هذه المرحلة على الكتابة الإبداعية للسيناريو، وقدم العديد من السيناريوهات والأفلام دخل أغلبها قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما.

عمل نجيب محفوظ في كتابة السيناريو لسنوات تالية قدم خلالها سيناريو فيلم “ريا وسكينة”، عن قصة حقيقية حول عصابة تخصصت في خطف الفتيات، وأخرج الفيلم صلاح أبو سيف، وقدم أيضا فيلم “جميلة” 1959، الذي تناول قصة حياة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، وأخرجه يوسف شاهين، وكتب أيضا أفلام “الوحش” و”شباب امرأة” و”الفتوة” و”بين السماء والأرض” و”جعلوني مجرما”.

 أديب السينمائيين

استفادت السينما من روايات نجيب محفوظ، فقدمت معالجات مختلفة لـ19 منها في العديد من الأفلام، فأطلق عليه الناقد اللبناني إبراهيم العريس “أديب السينمائيين، وسينمائي الأدباء”.

وكانت البداية عام 1960 حين حول المخرج صلاح أبو سيف رواية “بداية ونهاية” إلى عمل سينمائي، وتبعها تحويل العديد من الأعمال مثل “اللص والكلاب” و”خان الخليلي” و”ميرامار” و”الحب تحت المطر” والثلاثية “بين القصرين”، “قصر الشوق”، “السكرية”، و”الشحاذ” و”الطريق”.

وكان نجيب محفوظ حريصا على ألا يحول أعماله إلى سيناريو، وذلك لرغبته في أن يترك للسيناريست والمخرج حرية توظيف هذه الأعمال، وكان رأيه أن من حق السيناريست خلق عمل إبداعي جديد طالما لم يخل بفكرة ومضمون الرواية.

ومن أكثر أعمال نجيب محفوظ حظا في السينما رواية “الحرافيش”، لما تحمله من بعد فلسفي عن فكرة تعاقب الحكام، وتم تناولها في أكثر من عمل فني بمعالجات مختلفة، منها “الحرافيش” و”المطارد” و”شهد الملكة” و”الجوع” و”التوت والنبوت”.

السينما العالمية

كان فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 فرصة ذهبية للانطلاق في آفاق الشهرة العالمية كأديب وروائي مصري، ولفت من خلالها انتباه صناع السينما العالمية إلى رواياته، فقدمت في السينما المكسيكية عام 1993 واحدة منها.

فقد اقتبس المخرج المكسيكي أرتورو ريبيستين فيلم “بداية ونهاية ” (The Beginning and the End) عن رواية نجيب محفوظ، وحققت النسخة المكسيكية للفيلم -الذي لعب بطولته كل من برونو بشير، ولوثيا مونيوث، ولويس فيليب توبار، وبلانكا جيرا- نجاحا كبيرا وحصل على عدد من الجوائز المحلية والدولية.

بعد ذلك بعامين، قدم المخرج المكسيكي خورجي فونس رواية “زقاق المدق” عبر فيلم “زقاق المعجزات” (El callejón de los milagros)، وقام بالمعالجة وكتابة السيناريو فيسيتي لينيرو، بعد أن ترجمتها للإسبانية هيلينا فالينتي، وقامت بدور البطولة الفنانة سلمى حايك، والتي جسدت شخصية “حميدة”، وتم تغيير اسمها إلى “ألما”، وهي الشخصية التي سبق أن قدمتها الفنانة شادية في فيلم “زقاق المدق”، واستطاعت النسخة المكسيكية أن تحقق نجاحا كبيرا حيث عرض الفيلم في العديد من المهرجانات.

الرقيب

لم تقتصر علاقة نجيب محفوظ بالسينما والفن من خلال كتابة السيناريو وتحويل رواياته الأدبية إلى أفلام، لكنه أيضا تقلد عددا من المناصب الإدارية المرتبطة بالسينما، فبعد حصوله على درجة البكالوريوس في الفلسفة عام 1934 عمل في وزارة الأوقاف، ثم في عدد من الوظائف الإدارية، قبل أن ينتقل في خمسينيات القرن الماضي ليصبح مديرا للرقابة على المصنفات الفنية في وزارة الثقافة.

ومن المناصب التي تقلدها أيضا عمله مديرا لمؤسسة دعم السينما، ثم رئيسا لمجلس الإدارة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون، وكان آخر منصب إداري له هو رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما عام 1966 وحتى أوائل السبعينيات.

ولم ينته التأثير الإبداعي لأعمال نجيب محفوظ حتى بعد رحيله عام 2006 عن عمر ناهز 95 سنة إثر أزمة صحية، فأعماله الأدبية كانت الملهمة لصنّاع الدراما، وتم تحويلها إلى أعمال تلفزيونية، منها مسلسل “أفراح القبة” 2016 للمخرج محمد ياسين، ومسلسل “طريق” 2018 للمخرجة رشا شربتجي، ومسلسل “بين السما والأرض” 2021.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version