تتوعك الثقافة العربية حين يطال رمزاً من رموزها العياء، كيف لا والمتوعك صاحب فضل كبير على المشهد الثقافي بوعيه المُستنير، وتواضعه غير المُتكلّف، وحيويته الفطرية، وعقله المُشعّ، وروحه المعطاءة، فالدكتور علي بن سرحان القُرشي آمن بالحُبّ والوفاء والعرفان، للأوطان والإنسان والزمن، فبنى في محيط صدره سفينةً للنقاء، يحمل فيها، الأحبة والأهل والمعارف والأصدقاء.

عرفه المجتمع القروي البسيط رجلاً منذ الطفولة، عشق المعرفة، وتحمل المشاق، ولم يفلت من يده طوق النجاة المتمثل في التعليم، فكان يقطع المسافات سيراً على الأقدام، ويكتب بذوب القلب لو جفّت الأقلام، ويحدو قافلة السلام والتنوير صوب كمالها المقدور بهدوء وسكينة، مستشرفاً المستقبل الواعد الذي استجلاه مبكراً (رائدٌ لا يكذب أهله).

سطع نجم البروف (أبو إبراهيم) إبان صدام الحداثة بالصحوة، وربما أسرف الصحويون بنعته بما ليس فيه؛ كونه أقرب للعالِم الرباني؛ المتجلل برداء الزهد، والانزواء عن الأضواء، فيما يحمل بكل جارحة شعلة في وجه الليالي المدلهمة والأيام السوداء التي نالت من النسيج الوطني واللحمة الاجتماعية بالتدليس والتشكيك وإثارة الريبة، ليظل (عالياً) باسمه ومُسماه وتدينه وأخلاقه.

وظل العاشق الناصع العشق المولود عام 1361هـ، في محافظة الطائف، وفيّاً لمسقط رأسه، وهمزة وصل بين البلد المأنوس وبين القامات الفكرية والإبداعية في الوطن العربي، وبحكم علاقته بالرعي والزراعة في طفولته، كان يعتني بالبذار وينقي التربة ويوزن الري، ويختار المراعي التي لم يسبقه إليها رعاة، ويفتتن بالشموس التي تقطع الأفق في رحلة أبدية لا تكل فيها ولا تملّ.

وعى القرشي وفتح عينيه منذ نعومة أظفاره على عائلة الضمير الإنساني، فوظف كل قدراته، ليكون منتمياً وحفيّاً بكل أفراد العائلة، وغدا مغرماً بمجاورة ميقات وادي محرم التي نال من مدرستها الشهادة الابتدائية عام، 1386هـ، فيما حاز شهادة المتوسط والثانوي من دار التوحيد الرائدة الأولى للمعرفة الحديثة.

ومن كلية الشريعة في مكة، أحرز بكالوريوس اللغة العربية عام 1396هـ، أعقبه بتحصيل دبلوم في الإدارة والتخطيط التربوي من كلية التربية عام 1400هـ، ثم ماجستير من جامعة أم القرى عام 1402هـ، على أطروحته (المبالغة في البلاغة العربية.. تاريخها وصورها)؛ وتوّج مسيرته الأكاديمية بالدكتوراه، عام 1410هـ عن أطروحته (الصورة الشعرية في شعر بشر بن أبي خازم الأسدي) ثم نال الأستاذية.

وعمل الدكتور عالي عضو هيئة تدريس بقسم اللغة العربية بكلية المعلمين بالطائف، ثم جامعة الطائف؛ وترأس جمعية الثقافة والفنون بالطائف، وكان عضواً فاعلاً في النادي الأدبي بالطائف، ثم مشرف اللجنة الثقافية بجمعية الثقافة والفنون بفرع الجمعية بالطائف، والمشرف على منتدى عكاظ، ورئيس تحرير دورية (مجاز) الصادرة عن نادي الطائف، وعضو هيئة التحرير لدورية (وج)، الصادرة عن نادي الطائف، ودورية (سوق عكاظ) التي كانت تصدر عن نادي الطائف، والمشرف على لجنة إبداع بنادي الطائف حتى تشكيل المجلس الانتخابي.

ومن مؤلفاته: المبالغة في البلاغة العربية – نادي الطائف الأدبي عام 1405هـ. وأنت واللغة نادي الطائف الأدبي عام 1412هـ. وطاقات الإبداع نادي جدة الأدبي الثقافي عام 1415هـ. والرؤية الإنسانية في حركة اللغة (كتاب الرياض 31). وحكي اللغة ونص الكتابة (كتاب الرياض 115).

ويؤكد أستاذ النقد الأدبي الحديث بجامعة عين شمس وجامعة الطائف الدكتور عاطف بهجات، أن عالي القرشي طبّق الرسالة الحقيقية للأستاذ: الذي يعمل من أجل بيئته ومجتمعه ووطنه؛ فترتقي ذاته مع ارتقائه ببيئته، وينمو علمه وتزدهر معارفه إبّان بحثه عن حلول لما يصادفه من مشكلات، ما جعل من عالي أستاذاً بدرجة إنسان، يحرص على تهيئة طلابه لمواجهة الحياة العملية والثقافية، لافتاً إلى أنه عندما يتحدث القرشي أو يكتب في تراثنا النقدي القديم، نلمح عقلاً واعياً بمغزى التراث، ولكنه لا يحجبه عن إعادة التفكير في هذا التراث، ومحاولة تلقيه بشكل جديد، يخضعه لمنهج نقدي يجمع بين أصالة المطروح وحداثة الطرح، من خلال ذات تشبعت فأبدعت، كما فعل في دراسته عن قصيدة الحادرة التي أحصي قراءاتها، وعالجها نقدياً، ثم قدم قراءته الخاصة لتلك القصيدة، مشيراً إلى أن التجربة الإنسانية تمتد في روحه لتعكس اهتمامه بالأدب النسائي السعودي حرصاً منه على إبراز الجانب الحضاري في المجتمع، وتأكيداً على أن التجربة الإنسانية لا تفرّق بين رجل وامرأة، وتأتي كتاباته عن الخنساء ورجاء عالم ولطيفة قاري شاهداً على ذلك، ويراه بهجات عاشقاً للطائف عشقا لا يفارق عالي القرشي؛ فهو متيم بها لدرجة جعلته يؤنسنها، ويجعل لها شخصية تشكلها الأحرف والكلمات.

وقد كان كتابه (شخصية الطائف الشعرية) أول ما قرأت له.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version