“الهوى سلطان” فيلم يمكن تناوله نقديا عبر عدة مداخل، أحدها أنه الفيلم الروائي الأول لمخرجة مصرية شابة استطاع في بضعة أيام تحقيق إيرادات عالية في ظل سوق إنتاجية تغيب عنها الوجوه النسائية إلا فيما ندر، منها كذلك تقديمه لنوع سينمائي قل وجوده إلى الحدود الدنيا في السينما المصرية بعد اتجاهها بشكل أساسي إلى الأفلام الكوميدية والأكشن.

غير أن أكثر ما يميزه بالفعل، ويستحق تسليط الضوء عليه، قدرة مخرجته ومؤلفته على تقديم قصة شديدة الاعتيادية بشكل مميز فيصنع حوله زخما سواء من الجمهور العادي أو الخاص؛ أي صنّاع السينما الآخرين والنقاد.

“الهوى سلطان” من إخراج وتأليف هبة يسري، التي يعرفها الجمهور بأنها إحدى مخرجات “سابع جار”؛ المسلسل المصري الذي وصل إلى بيوت المصريين، وأثار الكثير من الجدل وأكثر من الحنين، ويقوم ببطولة الفيلم كل من منى شلبي وأحمد داود وجيهان الشماشرجري وأحمد خالد صالح وسوسن بدر.

الاستمتاع بفخ الاعتيادية

تبدأ اعتيادية فيلم “الهوى سلطان” من أسماء شخصياته، فلدينا سارة وعلي، اسمان انتشرا بين أبناء جيل الألفية أو (Millennials) (المواليد ما بين 1981 و1996) قبل أن تتعقد الأسماء وتصبح مزيجا من صراعات الشرق والغرب، والأزمات الطبقية، فنجد من يعود إلى التراث القديم لانتقاء أسماء أطفاله، ومن يبحث عن أسماء تظهره ثريا أو مثقفا.

تجمع بين سارة (منى شلبي) وعلي (أحمد داود) علاقة صداقة ممتدة منذ الطفولة، بدأت بعلاقة أسرية جمعت بين أسرة كل منهما، واستمرت حتى بعد وفاة والدة سارة من ناحية، ووالد علي من ناحية أخرى، ويشغل كل منها مساحة واسعة من حياة ووقت الآخر، وبينما يبحث علي عن زوجة بدلا من بحثه عن هدف لحياته، تعيش سارة مكتفية بتفاصيل أيامها البسيطة، بين عمل روتيني، وتلفاز يعرض الأفلام والمسلسلات الكلاسيكية، والغرق في الأغاني التي شكلت وجدان جيل الألفية.

 

تسير أحداث النصف الأول من الفيلم في استعراض حميم لتفاصيل حياة الصديقين المستقرة للغاية، أو حتى أكثر من اللازم إن أردنا الدقة، حتى يبلبل هذا الاستقرار دخول ليلى (جيهان الشماشرجري) حياة علي، كحبيبة في البداية، ثم زوجة منتظرة بعد إعلان خطوبتهما، ونتيجة لوحدتها ترتبط سارة كذلك بالطبيب رامي (أحمد خالد صالح).

في فيلم اعتيادي سيكتشف كل من سارة وعلي عيوب الزائرين الجديدين لحياتهما، فيعودا إلى منطقة الراحة أو العلاقة المستقرة بينهما، غير أن التغيير الأول الذي صنعته هبة يسرى في قصتها الاعتيادية هو تقديم الشخصيتين اللتين يمكن اعتبارهما ثانويتين بشكل ناضج ومتكامل، فهما شاب وفتاة يحمل كل منهما قيما مختلفة عن عالم سارة وعلي بالفعل، لكنهما ليسا شريرين أو خائنين أو مستغلين ولا يريدان أي شر ببطلينا، بل يهدفان فقط إلى علاقة عاطفية جيدة تقود إلى حياة زوجية هانئة، بينما الشخصان المؤذيان هنا هما البطل والبطلة.

تخلخلت الأرض تحت أقدام سارة وعلي بدخول القادمين الجدد، بما يحمله كل منهما من خلفية ثقافية مغايرة لما تعودا عليه، وكشفت هذه الصدمة لهما الكثير عن ذواتهما، والأهم أنهما واقعان في حب بعضهما البعض منذ سنوات، الحب الذي عاش تحت مظلة الصداقة والتاريخ المشترك، وعليهما الآن إيجاد حل للعودة إلى النقطة صفر، إلى العلاقة المستقرة التي بدأ بها الفيلم.

السحر في التفاصيل

قدم فيلم “الهوى سلطان” قصة لا يمكن وصفها بالأصالة، وفي ذات الوقت لا يمكن اتهامها بالسرقة الفنية، فالحبكة المبنية على علاقة صداقة ممتدة تتحول إلى قصة حب تم استغلالها من قبل في عشرات الأعمال التلفزيونية والسينمائية، من أشهرها شخصيتي مونيكا وتشاندلر في مسلسل “الأصدقاء” (Friends)، وفيلم المؤلفة نورا إيفرون الشهير “عندما التقى هاري بسالي” (When Harry Met Sally) وغيرها من الأعمال التي يصعب حصرها.

تظهر أصالة الفيلم وسر نجاحه في قدرة المخرجة على نثر التفاصيل الحميمية والواقعية على حبكة الفيلم وشخصياته بصورة أجبرت الكثير من المشاهدين على التماهي مع علي وسارة، بداية من اتصالهما بالثقافة الشعبية المصرية، من الأغاني والمسلسلات والأفلام، وحتى طبقتهما الاقتصادية، كأبناء الطبقة الوسطى القديمة، تلك التي سكنت في بنايات مصر الجديدة، ولا تمتلك إلا سيارات عتيقة.

وتظهر أهمية طبقة البطلين الاجتماعية بوضوح عند تقاطعهما مع ليلى ورامي، وكلاهما من الطبقة الوسطى الجديدة، المرتاحة اقتصاديا نسبيا، وفي ذات الوقت أكثر انفتاحا اجتماعيا، وبذلك عززت التناقضات بين الطبقتين الهوة بين سارة وعلي من ناحية ورامي وليلى من ناحية أخرى.

إذن نحن أمام شخصيات مبنية بشكل ممتاز، سواء الرئيسية أو الفرعية، وفي الوقت ذاته تطورت هذه الشخصيات على ذات القدر من الجودة، خصوصا في رحلتها الداخلية، باكتشاف كل شخصية نفسها عندما رأت نفسها في مرآة الآخر.

وتمثل هذه الرحلة الداخلية كذلك اختلافا كبيرا أثقل كفة الفيلم عند مقارنته بالأفلام المصرية الرومانسية الحديثة، التي تميل لحصر الصراع بين المحبين والعوامل الخارجية، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى الأسرة، بينما هنا كل الظروف مواتية لازدهار قصة الحب، وغاب وعي أطرافهما بوجودها.

على الجانب الآخر أسهم اختيار الممثلين في تعزيز هذا القرب بين المتفرج والشخصيات، سواء من حيث المظهر، أو طريقة الأداء، فلا يمكن على سبيل المثال قلب الشخصيات، فيقدم أحمد خالد صالح شخصية علي وأحمد داود شخصية رامي.

فشخصية علي تحتاج لممثل يستطيع تقديم هشاشة الشاب الذي لا يفهم مشاعره ولا يثق في نفسه، يبكي من الألم ولا يختفي وراء عضلات ذراعيه، وإن قدم أحمد خالد صالح ألم شخصيته بشكل مختلف يتناسب مع أسلوبه في الأداء.

فيلم “الهوى سلطان” عمل وصل إلى الجمهور، وأعجب الكثيرين من أبناء جيل الألفية، الذين يبدون مثل الكبار، بينما لا يزالون أطفالا في حياة لم يتم إعدادهم من أجلها، ولم يكتشفوا ذواتهم وإن اقتربوا من الـ40.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version