في فجر يوم رحيله عن هذه الدنيا، جلس علي عزت بيغوفيتش على فراش الموت، يحدّث ابنته الكبرى ليلى عن أعظم درس تعلمه في حياته.. تلك الحياة التي لم تكن عادية بأي حال من الأحوال.

من غياهب السجون إلى أروقة السياسة وجبهات القتال، كان زعيم البوسنة والهرسك الراحل -على مدار حياته التي امتدت 78 عاما- في بحث دائم عن معنى الحياة، في خضم مرحلة فاصلة من تاريخ بلاده.. يتساءل عن الغاية وعن الإيمان وعن رسالة الإسلام بين الشرق والغرب.

ويبدو من سيرته وتاريخه الحافل، أنه اهتدى إلى بعض الأجوبة مبكرا، لكنه كان ينشد اليقين. هذا اليقين الذي ظلت المحن تغرسه في نفسه وتنميه حتى فاض به قلبه، وجلس يحدّث به ابنته في ساعة الفراق.

وبعد 21 عاما من وفاته، تروي لنا السيدة ليلى أقشامية جانبا من سيرة أبيها، وأسراره التي جعلت قصته ملهمة حتى اليوم، وذلك في مقابلة أجريت بمنزل العائلة القديم الذي يحتضن حاليا مقر مؤسسة علي عزت بيغوفيتش، في حي بريكا بالعاصمة البوسنية سراييفو.

وتقول: “حينما أحاول استحضار ذكرى والدي الراحل أدرك أنها في الغالب صورة رجل مستغرق في التفكير. لم يكن يتحدث كثيرا، بل كان دائم التأمل في أمر ما، يقرأ أو يكتب”.

وتصف التجربة الحياتية لأبيها بأنها “حافلة ومتنوعة، فهو: مسلم أوروبي، سجين سياسي، مؤسس حزب سياسي، رجل دولة، مقاوم للفاشية، القائد الأعلى لجيش البوسنة والهرسك خلال حرب الدفاع عن البلاد، وفي الوقت نفسه مؤمن عميق التأمل في النفس البشرية وفي رسالة الله إلى الإنسان. لقد جعل فلسفة حياته في نسيج كل قرار سياسي اتخذه، باذلا جهده للالتزام بما آمن به من الحرية والنضال من أجل الخير”.

هموم وأدوار

كان هذا العمق والتداخل في الهموم والواجبات طابعا مهما طبع حياة عزت بيغوفيتش منذ البداية، فقد ألقي به في السجن عام 1946 لانخراطه في صفوف حركة الشبان المسلمين، وكان حينئذ جنديا في الجيش اليوغوسلافي لم يتجاوز عمره 21 عاما.

وبعد 3 سنوات من السجن، خرج المناضل الشاب ليبحث عن عمل ويدرس في الجامعة ويكوّن عائلة جديدة في آن واحد.

وقد بدأ بدراسة الهندسة الزراعية ثم تحول إلى دراسة القانون ثم عمل في قطاع الإنشاءات وأشرف على بناء محطة للطاقة الكهرومائية في الجبل الأسود، وكان في الوقت نفسه يكتب مقالات تحت اسم مستعار عن “إشكالات الصحوة الإسلامية”. وقد تزوج وأنجب من زوجته خالدة 3 أبناء: ليلى وسابينا وباقر، وصار له فيما بعد 5 أحفاد.

تقول السيدة ليلى: “كان متفانيا جدا في قيامه بواجب الأبوة. وكانت لديه رؤية واضحة تماما في تربيتنا، تشمل عدة مبادئ أساسية، لكنها لم تكن أبدا تنطوي على إيذاء شخصيتنا أو كرامتنا. وهذا المنهج المعتدل والديمقراطي في التربية والتأديب غرس في قلوبنا حبا حقيقيا له واحتراما”.

وقد بنى بهذا السلوك “علاقة وثيقة مع أبنائه، كانت لها أهميتها في التغلب على المشاكل والمحن التي واجهناها كعائلة فيما بعد”.

وكم كانت كثيرة تلك المحن، فعندما كان قريبا من إتمام عقده السادس، اقتيد عزت بيغوفيتش إلى المحاكمة مع 12 من المثقفين والمفكرين المسلمين سنة 1983 بتهمة الانخراط في “تنظيم للإطاحة بالنظام الدستوري” في يوغوسلافيا.

وصدر الحكم بسجنه 14 عاما، وكان أبناؤه الثلاثة آنذاك قد كبروا وتزوجوا ولكل منهم أسرته الخاصة.

رسائل من السجن

وتقول السيدة ليلى إنها تمكنت هذا العام -أي بعد قرابة 40 عاما من تلك المحاكمة- من مراجعة جميع المراسلات التي تبادلتها مع والدها في فترة سجنه، ومن ثم أدركت أنها لم تكن لتعرف شخصية والدها الحقيقية لولا تلك الرسائل التي بعث بها إليها من محبسه.

هذه الرسائل “كانت حلقة الوصل الوحيدة بين حياة كل منا. وفي تلك الفترة، وُلدت حفيداته، ولم ير بعضهن إلا بعد خروجه من السجن. كل واحد منا تعامل مع هذا الظلم بطريقته الخاصة. أنا شخصيا كنت أتساءل دائما ما الذي كان يحدّث به نفسه عندما واجه الحكم بالسجن 14 عاما”.

صورة 5: عزت بيغوفيتش مع زوجته خالدة وابنته ليلى وحفيدته الأولى سلمى خلال زيارة لمدينة دوبروفنيك الكرواتية عام 1977 (الجزيرة)

وأطلعتنا السيدة ليلى على إحدى تلك الرسائل التي بعث بها والدها إليها حين أدرك أنه سيلبث في سجنه طويلا.

ويقول فيها: “عندما تصلني منك رسالة، لا أضعها في مجموعتي على الفور، بل أحملها في جيبي بضعة أيام وأعاود قراءتها بين الحين والآخر حتى تصلني رسالة أخرى”.

“رسائلكم جميعا تهيّج مشاعري بشكل رهيب. قد تقصّر حياتي بهذا الشكل، لكنها تبعث في نفسي السعادة، وكل سعادة لها ثمنها”.

“أما الأمر الآخر فهو ماذا عساي أفعل من دونكم جميعا؟ ما زلت أحاول حل هذه المسألة بيني وبين نفسي على مدار كل تلك الأيام التي مرت منذ افترقنا. ولا أعرف كيف سأحلها أو هل سأحلها أصلا. عليّ أن أتعلم كيف أعيش مع هذا الاشتياق، كرجل فقد بصره يحاول التعود على العمى. هكذا يجب أن يكون الأمر”.

“بيد أن هناك أياما (أو لحظات)، وبسبب كبريائي أو غروري أو حماقتي (سمّه ما شئتِ) أتعامل مع الأمور بطريقة أخرى. فأقول لنفسي: أنت علي عزت بيغوفيتش. أنت تستطيع هذا وعليك أن تقدر عليه وإلا فقد كذبت في كل شيء. هكذا أنظم كل الأمور التي حصلت لي حتى يبدو لي قدري معقولا ويكون المصير الذي أفكر فيه حتميا وطبيعيا”.

وهذه الكلمات التي كان يصبّر بها نفسه، كانت أيضا موجهة إلى أبنائه، كما تقول السيدة ليلى.

وقد قضى قرابة 6 سنوات من محكوميته التي انتهت قبل موعدها في ظل تغير الظروف السياسية وبدء انهيار نظام يوغوسلافيا الشيوعي الذي ألقى به في السجن.

وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1988 عانق عزت بيغوفيتش الحرية مرة أخرى.

معركة جديدة

لكنه لم يكد ينفض عن نفسه غبار السجن حتى بدأ الاستعداد لمعركته التالية. فقد “جازف بحياته مرة أخرى عبر دعوته شخصيات بارزة في أرجاء يوغوسلافيا السابقة إلى الالتقاء لتأسيس حزب سياسي يمثل المسلمين وغيرهم من المواطنين الذين يدعمون أهداف تلك الحركة”.

وبعد عامين فقط، وفي مثل ذلك اليوم الذي خرج فيه من السجن -كما تتذكر ابنته- كان عزت بيغوفيتش في طريقه إلى أول اجتماع له بصفته الرئيس المنتخب لرئاسة جمهورية البوسنة والهرسك بعد أول انتخابات ديمقراطية تشهدها البلاد.

وتصف ابنته هذه اللحظة، فتقول إنها وإن كانت “لحظة رضا، لكنها ألقت عليه بعد ذلك أحمالا ثقالا في سنوات الحرب وما بعدها وحتى نهاية حياته”.

لكنها تستدرك وتقول: “هل كان يمكن أن يختلف الحال عن هذا في حياة رجل مؤمن كان عليه أن يبين إيمانه بالعمل وباتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة، وهو الذي خاب أمله أمام تخاذل العالم الذي كان يؤمن بشدة بإنسانيته وديمقراطيته”.

اضطر عزت بيغوفيتش إلى اتخاذ أصعب القرارات في تاريخ البوسنة الحديث، فعندما تفككت يوغوسلافيا السابقة وبدأت جمهورياتها تعلن استقلالها، الواحدة تلو الأخرى، كان على سراييفو أن تحسم أمرها سريعا بعدما تبدت مطامع الجارتين صربيا وكرواتيا في تقسيم المناطق البوسنية بينهما على أساس عرقي وضمها إلى أراضيهما.

ثمن الاستقلال

أعلنت البوسنة بقيادة عزت بيغوفيتش استقلالها عن يوغوسلافيا، عقب استفتاء شعبي أجري في نهاية فبراير/شباط ومطلع مارس/آذار عام 1992، وكانت نتيجته لصالح الاستقلال بنسبة 99% بعد مشاركة 64% من الناخبين.

لكن صرب البوسنة -الذين قاطعوا الاستفتاء- ومن ورائهم صربيا، رفضوا قرار الاستقلال وبدأت تشكيلاتهم المسلحة في مهاجمة السكان من البوشناق (مسلمي البوسنة) والكروات، لتشتعل شرارة الحرب التي ستكون أول إبادة جماعية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

كان الصرب يتصورون أن تفوقهم في ميزان القوة بفضل ترسانة الأسلحة الضخمة التي راكموها في الحقبة الشيوعية مقابل افتقار البوسنيين لأبسط مقومات الدفاع عن أنفسهم سيمكنهم من إنهاء الأمر واجتياح سراييفو في غضون أسابيع.

وكان على البوسنيين بقيادة عزت بيغوفيتش أن يختاروا بين المقاومة والاستسلام، فكان قرارهم واضحا.. المقاومة حتى النهاية.

وقتل في تلك الإبادة عشرات الآلاف من البوشناق وهُجّر مئات الآلاف من أراضيهم، واغتصبت عشرات الآلاف من النساء. وفي مذبحة سربرنيتسا وحدها قتل 8 آلاف من البوشناق على يد صرب البوسنة ودفنوا في مقابر جماعية.

ولم يبدأ التحرك الدولي لوقف الإبادة في البوسنة إلا بعد نحو 4 سنوات من اندلاع الحرب، كان البوشناق على مدارها محاصرين ومحرومين من الحصول على أسلحة للدفاع عن أنفسهم، جراء الحظر الدولي الذي كان في مصلحة الصرب المدججين بالسلاح، ومع ذلك تمكنت سراييفو من الصمود أمام أطول حصار عرفه التاريخ الحديث.

بين البوسنة وغزة

وعلى قدر تلك التضحيات والآلام يدرك شعب البوسنة والهرسك أهوال الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة اليوم على يد الاحتلال الإسرائيلي وما يشعر به هذا الشعب من خذلان.

تقول السيدة ليلى “نشاهد يوميا ما يحدث في غزة، وندرك بخيبة أمل عميقة أن بعض الحكومات تتحرك ببطء أو لا تتحرك مطلقا بينما الجيش الإسرائيلي -على مرأى من العالم أجمع- يقوم بسحق جميع سكان غزة بكل ما للكلمة من معنى، حتى يدمر القوى التي تجاسرت على المقاومة المسلحة ضد التوسع العدواني الإسرائيلي على مدى 70 عاما”.

وتضيف: “اليوم، لا أحد يستطيع أن يقول إنه لم يعلم بجرائم الحرب التي تُرتكب ضد المدنيين في غزة. نتعاطف تماما مع الشعب الفلسطيني ونأمل أن يوقف العالم هذه الحرب، لأنه عندما وقع العدوان الدموي على جمهورية البوسنة والهرسك من قبل جيرانها المدججين بالسلاح، تعهد العالم بألا تتكرر تلك الفظائع في أي مكان”.

لكن الفظائع تتكرر ويتكرر الصمت إزاءها، وهو ما أدركه عزت بيغوفيتش وهو يبحث عن المغزى من دورات التاريخ ويحاول معرفة مهمته ودوره في هذه الحياة.

كانت حياته في خطر دائم طوال سنوات الحرب، حيث كان مقر الرئاسة الذي يباشر منه مهامه يتعرض لقصف متكرر. لكنه كان حاضرا بين أبناء شعبه على الدوام، يتفقد جبهات القتال ويشرف على تحصين الدفاعات، ويزور المستشفيات لمواساة الجرحى ويفاوض على الهدن الإنسانية ويتواصل مع دول العالم للحصول على الدعم والتأكيد على عدالة قضيته.

بحثا عن العدل

وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995، وقّع عزت بيغوفيتش على اتفاقية دايتون (بولاية أوهايو الأميركية) التي وضعت حدا للحرب في البوسنة والهرسك، ثم قال عبارته الشهيرة: “لشعبي أقول: هذا ليس سلاما عادلا، لكنه أعدل من استمرار الحرب. في ظروف كهذه وفي عالم كهذا، ليس بالإمكان تحقيق سلام أفضل”.

وبعد أشهر قليلة من توقيع تلك الاتفاقية، أصيب الزعيم البوسني بأزمة قلبية، لكنه تعافى منها وواصل عمله مدة 4 سنوات أخرى.

وتقول السيدة ليلى إن أباها “كان صبورا في صنع السلام. لم يسع يوما إلى الانتقام لسنوات سجنه التسع، ولم يسمح لجيش البوسنة بالانتقام للجرائم التي ارتكبت ضد البوشناق. وكان هذا تعبيرا عن إيمانه الصادق في عدل الله. كان يقول: واجبنا أن نجاهد لكن نتيجة هذا الجهاد ستكون في زمان آخر وبين يدي حَكم آخر”.

وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2000، تنحى عزت بيغوفيتش عن رئاسة البوسنة بعدما اشتد عليه المرض، لكنه واصل الكتابة والتأليف كما استمر في القيام بدور غير رسمي في حل مشكلات البلاد بفضل مكانته البارزة في الداخل والخارج.

في المنزل الذي قضى فيه السنوات السبع الأخيرة من حياته، وقفت السيدة ليلى تروي لنا كيف سقط أبوها بجسده المثقل بسنوات الحرب والمرض على دَرج خشبي داخل المنزل فكسرت 6 من أضلاعه ونقل إلى المستشفى حيث عولج هناك مدة 40 يوما.

الدرس الأخير

وتقول عن أيامه الأخيرة: “في نهاية حياته اشتد مرضه. لكني لم أر فيه خوفا أو حزنا، رغم أنه كان يدرك أنه مفارق هذه الدنيا. وحتى في تلك الفترة كانت لديه القوة للتفكير في الموضوع الأعز إلى نفسه: ما غاية الإنسان في هذه الدنيا؟”.

وتمضي لتقول: “آخر ما قاله لي في فجر يومه الأخير في هذه الدنيا: الإنسان يخوض معركة دائمة ضد الشر. أعتقد أن هذا بالتحديد هو غاية وجودنا…”.

وفاضت روحه، بنهاية ذلك اليوم، في مستشفى كوشيفو الذي يطل على بعض مقابر ضحايا الحرب في سراييفو، في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2003.

رحل عزت بيغوفيتش وترك إرثا قلّ نظيره، فمن تجربته النضالية الثرية التي ألهمت أجيالا من المسلمين إلى كتبه وأفكاره التي تركت أثرا عميقا في نفوس مفكرين وسياسيين، من بينهم المفكر المصري عبد الوهاب المسيري الذي تأثر بما سماها “ظاهرة” علي عزت بيغوفيتش.

ترك القائد والمفكر البوسني مجموعة من الكتب والمؤلفات، أبرزها “الإسلام بين الشرق والغرب”، و”الإعلان الإسلامي”، كما كتب سيرة ذاتية بعنوان “أسئلة لا مفر منها”، و”مذكرات من السجن.. هروبي إلى الحرية”، فضلا عن كثير من الخطابات والمقابلات خلال سنوات الحرب وما تلاها.

وتقول ابنته إن “المثقفين الشبان في أرجاء العالم يمكنهم عبر قراءة هذه الكتب أن يدركوا حقيقة شخصيته والزمن الذي عاش فيه، وربما يمكنهم بذلك أن يصلوا إلى إجابة السؤال: كيف استحوذ علي عزت بيغوفيتش على القلوب في العالم الإسلامي وعلى العقول في الغرب”.

كان رحيله لحظة فارقة في تاريخ البوسنيين، الذين فقدوا “الجد” كما كانوا يلقبونه، في حين نعاه المسلمون في الشرق والغرب، باعتباره بطلا قاوم إبادة البوشناق وتقسيم أراضيهم.

وكما كانت فكرة الصراع بين الحق والباطل مركزية في حياته، فإن ميراثه لا يزال هاجسا يؤرق خصومه.

ذكرى تؤرق الخصوم

وحتى اليوم، لا تزال أطراف عديدة تحاول النيل من اسم الرجل وتاريخه، مع أنه الوحيد بين زعماء البلقان في تلك الحقبة الذي ظل سجله ناصعا لم تلطخه جرائم الحرب، ولم يقف أمام المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة مثل غيره.

وتسعى مؤسسة علي عزت بيغوفيتش -التي تأسست في سراييفو عام 2019 على أيدي مجموعة من الشخصيات المقربة من الزعيم الراحل ومحبيه وأفراد عائلته- إلى الحفاظ على تراثه ونشر تاريخه الصحيح والتصدي للافتراءات التي تستهدفه.

وتواصل حفيدته أسماء -وهي الأمينة العامة للمؤسسة- تلك الطريق التي بدأها جدها، إذ تعمل على نشر الحقائق عن نضال شعب البوسنة ومقاومته للإبادة والتعريف بسيرة جدها وأفكاره.

وتقول السيدة أسماء إن المؤسسة ترى أن “هناك حاجة للحديث عن علي عزت بيغوفيتش وحياته وأعماله، ولا سيما مع الأجيال الجديدة في البوسنة والهرسك وكذلك في الخارج، لأن فيها الكثير من الإلهام والقوة”.

وتسعى المؤسسة “لتقريب تجاربه وكتبه وأفكاره إلى الناس حتى يصلوا هم إلى آرائهم الخاصة بشأن عزت بيغوفيتش وإرثه”. فالمقصود كما تقول المؤسسة “ليس تمجيد الشخص… لأننا ندرك تماما أن ذلك يتعارض مع القيم التي آمن بها”.

وتنظم المؤسسة أنشطة ومؤتمرات للتعريف بسيرة الزعيم الراحل وأفكاره، كما تستضيف مدارس صيفية لفتية وفتيات من البوسنيين في الشتات للحفاظ على صلتهم ببلادهم وتاريخها.

وتقول السيدة أسماء إنه رغم مرور 21 عاما على رحيل جدها فإنه لا يزال هدفا للافتراءات ومحاولات التشويه من قبل بعض الأوساط السياسية، حيث تتردد مزاعم كاذبة بشأنه في وسائل الإعلام.

أسماء على خُطا جدها

وترى حفيدته أن هذه الهجمات لا تهدف فقط إلى تشويه صورته، بل تخدم غاية أكثر خبثا من ذلك وهي زعزعة ثقة المسلمين البوشناق في قادتهم وفي المبادئ التي آمنوا بها، وإسكات صوتهم وتقويض حضورهم السياسي وصولا إلى تقسيم بلادهم.

وفي الآونة الأخيرة، أدلى الممثل الأعلى للمجتمع الدولي في البوسنة، الألماني كريستيان شميت -الذي يملك صلاحيات تنفيذية واسعة وفقا لاتفاقية دايتون- بتصريحات مثيرة للجدل خلال مقابلة تلفزيونية تحدث فيها عن تخليص مناهج التعليم من أحقاد الماضي وآثاره، وبدا وكأنه يساوي في هذا السياق بين عزت بيغوفيتش وبين مجرم الحرب المدان راتكو ملاديتش قائد قوات صرب البوسنة أثناء حرب الإبادة.

احتج البوسنيون بشدة على تلك التصريحات، فما كان من المسؤول الغربي إلا أن أصدر بيانا قال فيه إنه لم يقصد ما فُهم من تصريحاته.

لكنّ مِن البوسنيين من يرى أن هذه الأقوال وغيرها ليست من قبيل المصادفة، ويتوجسون مما قد يحاك للبوسنة في قادم الأيام.

في مايو/أيار من عام 1996، وبعد أشهر قليلة من تعافيه من الأزمة القلبية، وقف عزت بيغوفيتش يخطب في أهالي بلدة غوراجدا الواقعة على ضفاف نهر درينا، وهي إحدى بلدات التخوم شرقي البلاد، قرب صربيا.

رفضت هذه البلدة الاستسلام وأظهرت مقاومة شرسة ضد قوات صرب البوسنة التي هاجمت المنطقة رغم أنها كانت من الملاذات الآمنة تحت حماية الأمم المتحدة.

وفي خطابه، تعهد عزت بيغوفيتش أمام أهالي غوراجدا بأن تكون كل البوسنة حرة، وأن يرجع المهجّرون إلى أراضيهم، طال الزمان أو قصر.

استطاع الزعيم الراحل أن يحبط مخطط تقسيم أراضي البوسنة بين صربيا وكرواتيا، و”لولاه لما بقيت البوسنة” كما قال المسؤول الأميركي ريتشارد هولبروك مهندس اتفاقية دايتون.

واليوم يدرك كثير من البوسنيين أن هذه المخططات ما زالت حية رغم مرور السنين، ويقولون إن هناك من يتربص بهم وينتظر “اللحظة المناسبة” للانقضاض. لكنهم لن يكونوا في غفلة، فقد أخبرهم عزت بيغوفيتش أن المعركة دائمة وأن عليهم أن يقاوموا حتى النهاية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version