*إلى روح ناصر الظفيري

في المرايا الغريبةِ أقرأُ سرَّ دخانٍ يوزّعُ أوجاعَهُ/‏ تارةً يستريحُ على سنواتِ التصحّرِ/‏ أخرَى يمرُّ على قمرٍ يابسٍ/‏ كلُّ هذي المرايا شوارعُ منسيّةٌ في الحكاياتِ نحنُ نمزّقُ أثوابَها/‏ لنرَى الناسَ يمشونَ في الليلِ مثلَ سُكارَى الحروبِ/‏ هنالكَ يُقطَعُ قلبٌ يرفُّ على شجرِ الحُبِّ/‏ أو نجْمةٌ تتمايلُ تحتَ قميصِ المساءِ/‏ هنالكَ أرجوحةٌ ثقبتْها المواعيدُ/‏ هذا الجفافُ طويلٌ يمرُّ على راحةِ اليدِ قبلَ اتساعِ الجروحِ وقبلَ خديعةِ آبْ.

دوِيٌّ يُسابقُ نقرَ الخميسِ على البابِ/‏ نومٌ يغطُّ بخدْرِ الشموسِ/‏ وفجرٌ يفزُّ من الذعْرِ/‏ كانتْ خيالاتهُمْ تسبقُ الوقتَ/‏ والأرضُ تجفلُ من ضيفِها والجهاتُ غيومٌ تجرّ المَواتَ! أصابعُ تنبتُ بين فحيحِ الرصاصِ وأخرَى مُعطّرةٌ بمساءِ الدفوفِ/‏ فلا مرحباً بالضيوفِ ولا لغةِ الدمِ.. والفجرُ نابْ!

لم نخُنْ نخوةَ الأمِّ في جرحِها حينما البعضُ صارَ غباراً بناصيةِ الفجرِ/‏ نزَّ حليبُ السنينَ بأفيائِها ثم فاضَ أزيزُ الحَميّةِ من قلمٍ وكتابْ.

سويّاً نهلْنا من البئرِ/‏ ثم هضَمْنا رياحَ الشمالِ/‏ ورُحْنا نضمّدُ نزْفَ المضاربِ من طعنةٍ في الضميرِ/‏ نذَرْنا بواريدَنا للترابْ.

اتركوا الأرضَ تختارُ أشجارَها/‏ البحرَ يختارُ أبناءَهُ/‏ واتركونا نُعِدُّ مراجيحَ أيامِنا لغدٍ لا يساومُ طعْنَةَ غدرٍ بجُرحٍ/‏ سئمْنا انتفاخَ الفقاعةِ في بؤرةِ الوهمِ/‏ أجْفلَكُم سفَرُ الطينِ بين جذورِ النخيلِ/‏ اتركونا نهفُّ الشموعَ الأخيرةَ /‏ لا تخْذلوا مطراً يعشقُ الأرضَ يا أنبياءَ السرابْ.

اتركونا نَزورُ ملامحَ أجدادِنا الطيبينَ بمقبرةٍ ضيَّعتْنا شواهدُها/‏ ونَعُدُّ دقائقَ سهواتِنا في خيانةِ أصحابِنا/‏ وبقايا أصابعِنا/‏ وخسائرَنا في الحروبِ الخفيّةِ /‏ نبْني سماءً بأجفانِنا من بقايا الخرابْ.

اتركونا نُودّعُ أقفالَ أبوابِنا/‏ وتواريخَنا وبنادقَنا في لهيبِ الحدود/‏ وسبّورةَ الفصلِ/‏ جيرانَنا في العشيشِ/‏ نُلوّحُ للراحلينَ/‏ وللقادمينَ بثوبٍ قديمٍ جديدٍ/‏ نُفسّرُ حزنَ الوجوهِ الفقيرةِ في صهْدِ تيماءَ/‏ قبلَ انتحارِ المسافاتِ حاملةً قمَراً تحتَ جُنحِ غُرابْ!

اتركونا نعتّقُ قهوتَنا في الدِّلالِ الشماليةِ الصّدْرِ/‏ نقرأُ آثارَ مَن سبَقونا/‏ نُعلّقُ بزّاتِنا العسكريةَ ما بينَ وهْمٍ وآخرَ /‏ نحرسُ ضحكاتِكُمْ في اندياحِ المزاجِ/‏ اتركونا لنُحْصيَ خيباتِنا في طنين الذبابْ.

اتركونا لنهْزأَ من سيرةِ الزمنِ الفوضويِّ/‏ نزوّجُ غزلانَنا لنُكدّسَ أحلامَها في الحقائبِ قبل الرّحيلِ.. ولا تلحقونا كدُبٍّ بمنْحَدرِ القُطْبِ/‏ لا تلحقونا.. لنكتبَ أهزوجةً في رثاءِ الغيومِ التي غادرَتْ دونما جهةٍ في وداعِ الغيابْ.

اتركونا نعِدُّ مقابرَ أيامِنا في الثلوجِ البعيدةِ/‏ نحْتَطبُ الريحَ قبلَ بلوغِ المحاصيلِ نسْخرُ من أهلِنا الميّتينَ/‏ ومن إبلٍ ضيّعتْ دربَها/‏ ونُقايضُ جذْرَ السُّلالةِ بالثلجِ كي نتناسلَ من دونِ خوفٍ بعيداً عن الفَخّ/‏ ندَّخرُ الحُبَّ حتى نعودَ فلا شيءَ يسْحرُنا في البلادِ البعيدةِ/‏ غيرُ صدَى عمُرٍ في الأراضي القصيّةِ/‏ منْكمشٍ/‏ فاتركونا لنذْبحَ هُدْهدَنا قبلَ أنْ تعْرفوا سَبأ الثلجِ.. نهزأُ من غفْوةِ البدَويّ الفقيرِ بتلِّ الذئابْ.

اتركونا نُحنّطُ أحلامَنا بينَ حبْلٍ وعنْقٍ ضعيفٍ بحجْرةِ صمتٍ أخيرٍ/‏ نكفّنُ هذا الزمانَ بمرْثيةٍ في نهارٍ سريعٍ/‏ لينسَى المُعزّونَ مأساةَ عمْرٍ تهاوَى/‏ على درَجِ الصبْرِ ينزفُ فوقَ الثلوجِ وفوقَ الصحاري بقايا عتابْ.

لا البلادُ البعيدةُ تختصرُ الضوءَ/‏ لا منبعَ الحلمِ يحْتضِنُ القلبَ/‏ ليلٌ طويلٌ تعرَّى ليستدْرجَ الحُبَّ عاماً فعاماً إلى غابةٍ من حِراب.

يدٌ أم طريقٌ إلى البحرِ يأخذُنا من غيابٍ طويلٍ لآخرَ/‏ مَن يقتفي أثرَ الريحِ حتى يلمَّ الشراعَ الممزقَ في شهقةِ القلبِ قبلِ السقوطِ الأخير/‏ يدٌ تأخذُ البحْرَ من يدهِ/‏ في البعيدِ بلادٌ تصافحُ زوّارَها ورماديةٌ نجمةُ الحلْم/‏ صارَ المكانُ بخيلاً على غصْنهِ/‏ والزمانُ يبدّل أثوابَهُ والليالي ضبابْ.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version