تُعدُّ مدينة “أشكودرا” إحدى أيقونات التنوع الحضاري والثقافي في منطقة البلقان، حيث تلتقي فيها روح الشرق والغرب، مشكّلة لوحة فريدة من الفنون والثقافات المتراكمة عبر العصور. تقع المدينة في شمال غرب ألبانيا، في موقع استراتيجي عند ملتقى الحضارات، مما أضاف إليها جاذبية استثنائية انعكست بوضوح في معمارها المتنوع، الذي يمزج بين الطرز الرومانية والعثمانية، إلى جانب لمسات إيطالية وفيينية بديعة.

لعبت “أشكودرا” عبر التاريخ دورًا محوريًا في صياغة هوية البلقان الثقافية، إذ كانت مركزًا للتجارة، والفنون، والتعليم. ورغم التحولات التاريخية التي شهدتها، حافظت المدينة على رونقها الحضاري، لتصبح وجهة مفضلة للسياح والباحثين عن الأصالة والعمق الثقافي.

أما طبيعتها الساحرة؛ فهي لوحة من الجمال الاستثنائي، حيث تحيط بها في مزيجٌ مدهش بحيرات وأنهار تنساب بتناغم مع سهولها الخصبة وتلالها المرتفعة، وصولًا إلى قمم جبال الألب الألبانية الشاهقة. هذا المشهد الطبيعي الفريد يجعل من المدينة جنة لعشاق المغامرات في أحضان الطبيعة.

لذا، تُجسد “أشكودرا” تناغمًا استثنائيًا بين سخاء الطبيعة وعمق التاريخ، مما جعلها بحق لؤلؤة البلقان الطبيعية ومنارتها الثقافية، ووجهة مثالية لعشاق المغامرة والمعرفة.

فإذا تحدثت عن طبيعتها الخلابة؛ يمكن أن تصفها بأنها “مدينة الأنهار”؛ حيث تحتضن ثلاثة أنهار رئيسية، أحدها هو الأطول في ألبانيا، الذي ينبع من “بحيرة أوهريد”، إحدى أقدم بحيرات العالم الواقعة جنوب البلاد، ويواصل مساره شمالًا ليصب في “بحيرة أشكودرا”، الأكبر في منطقة البلقان. فوق هذا النهر، تم تشييد “سد فييرزا”، الأكبر في ألبانيا والبلقان، والذي يزود البلاد بحوالي 70% من احتياجاتها من الكهرباء، ما يبرز الدور الحيوي الذي تلعبه المنطقة اقتصاديًا وبيئيًا.

44_تمثل_بحيرة_اشكودرا_ ملاذًا_مثاليًا_لأنواع_متعددة_من_الكائنات_البحرية_والطيور

إلى جانب ذلك، تُعد “بحيرة أشكودرا”، واحدة من أبرز المحميات الطبيعية في أوروبا، حيث تزخر بتنوع بيولوجي استثنائي، يضم أنواعًا نادرة من النباتات والحيوانات، مما يجعلها وجهة مميزة لعشاق الطبيعة والمغامرة.

بينما على الصعيد الثقافي والفني، تُعد “أشكودرا” بحق “مدينة متحفية”؛ تُعد “أشكودرا” بحق “مدينة متحفية” بامتياز، فقد كانت تحتضن في الماضي “شبكة المتاحف السبعة” التي انتشرت في مختلف أرجاء المدينة، مما جعلها مركزًا ثقافيًا نابضًا. ورغم دمج هذه المتاحف في متحف مركزي واحد، لم تفقد المدينة رونقها المتحفي المميز. بل على العكس، شهدت السنوات الأخيرة نهضة ثقافية تمثلت في افتتاح العديد من المتاحف المتخصصة التي تتيح للزوار استكشاف الجوانب الثقافية والاجتماعية العريقة لهذه المدينة الساحرة.

من أبرز هذه المتاحف وأكثرها شهرة، يبرز “متحف ماروبي الوطني للتصوير الفوتوغرافي”، الأقدم من نوعه في منطقة البلقان. هذا المتحف يُعد نافذة ضوئية على تاريخ ألبانيا، حيث يوثق تفاصيل الحياة اليومية على مدار أكثر من قرن من الزمن. بفضل مجموعته الفريدة التي تضم آلاف الصور التاريخية، حظي المتحف بشهرة عالمية، ورُشِّح لنيل جائزة “متحف العام الأوروبي” عام 2017، ما يعكس مكانة “أشكودرا” كمركز للإبداع الثقافي والفني في المنطقة.

كما تُعد أشكودرا من أبرز المدن الألبانية التي حافظت على التراث الإسلامي في المنطقة، بفضل مؤسساتها التعليمية التي أسهمت في تخريج العديد من العلماء والمفكرين. كانت المساجد والمدارس الإسلامية (الكتاتيب والمدارس المتوسطة والعليا) في قلب هذا الدور الحيوي، حيث كانت تمثل مراكز رئيسية للعلم والتعليم. وتخرج العديد من العلماء البارزين من هذه المدارس، الذين ساهموا في النهضة الدينية والتعليمية في ألبانيا وشاركوا في النقاشات الفكرية والدينية خلال فترة الحكم العثماني.

على الصعيد المعماري، تُعد “أشكودرا” نموذجًا حيًا لتناغم معماري متنوع يعكس تاريخًا عريقًا؛ فقد تأثرت المدينة بالعديد من الأساليب المعمارية التي تركتها الحضارات المتعاقبة، من الفينيقية إلى العثمانية، وصولًا إلى التأثيرات الأوروبية الحديثة، مما أضفى عليها طابعًا فريدًا يظهر بوضوح في شوارعها ومبانيها.

تشهد الجوامع الأثرية والبيوت التقليدية في “أشكودرا” على التأثيرات العثمانية الواضحة، إذ تتميزجوامعها الأثرية بطراز معماري عثماني يجمع بين العناصر الإسلامية التقليدية مثل القباب والمآذن، مع لمسات محلية تُبرز الهوية الألبانية الفريدة. وعلى غرار ذلك، تعكس البيوت التقليدية في المدينة الطابع العثماني أيضًا، حيث تزينها الأسطح الخشبية المزخرفة والنوافذ الكبيرة التي تغمرها أشعة الشمس، بالإضافة إلى الفناءات الداخلية التي شكلت جزءًا أساسيًا من الحياة الاجتماعية في تلك الحقبة.

ومن أبرز الأمثلة على التأثيرات الفينيسية والإيطالية في المدينة يأتي “شارع كولي إدرومينو، الذي صممه المعماري الألباني كولي إدرومينو في أوائل القرن العشرين. يعكس الشارع طابع العمارة الفينيسية بواجهاته المزخرفة وتقنيات البناء التي استُوحيَت من المدن الإيطالية. وقد تم تجديد العديد من المباني القديمة في هذا الشارع، وتحويلها إلى فنادق ومقاهٍ ومتاجر، ليصبح وجهة سياحية نابضة بالحياة تعكس التمازج بين التراث الغربي والخصائص المحلية لأشكودرا.

بينما يظل برج “ساعة الإنجليز”، المعروف محليًا بـ “كولا الإنجليزي”، في قلب المدينة، شاهدًا على التأثيرات الثقافية الأوروبية الحديثة التي تركت بصماتها على “أشكودرا عبر العصور. في الماضي، كان البرج مقرًا للمتحف التاريخي خلال فترة الحكم الشيوعي، لكن اليوم يُعدُّ من أهم المعالم الثقافية التي تساهم في إبراز تاريخ المدينة العريق وهويتها المعمارية الفريدة. يُعد البرج مثالًا حيًا على تلاقي التأثيرات الغربية مع التراث المحلي، ليظل رمزًا للثقافة المتجددة والمتنوعة في **أشكودرا**.

على صعيد السياحة الثقافية، تُعتبر “أشكودرا” واحدة من الوجهات المثالية لعشاق التراث الإنساني والعادات المحلية الأصيلة. ففي قلب هذه المدينة، يقف فندق “تراديتا”، الذي تأسس عام 1694 كمقر لعائلة تجارية أرستقراطية، ليحكي قصة الزمن والمكان. هذا الفندق العتيق، الذي مر عليه قرون من الزمان، تحول اليوم إلى وجهة سياحية فاخرة، يجمع بين عبق التراث العثماني وجمال التقاليد الألبانية الأصيلة.

عند دخولك إلى هذا المكان، يبدو وكأنك قد انتقلت عبر الزمن إلى حقبٍ قديمة من تاريخ “أشكودرا”، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بتجربة ضيافة ألبانية استثنائية، يشعرون خلالها بأنهم جزءٌ من روح المدينة التي لا تزال تحتفظ بجمالها وعراقتها. في هذا المكان، يصبح التاريخ جزءًا من الحاضر، وتنفتح أبواب الزمن لتكشف أسرارًا وذكريات المدينة التي تشهد على تنوعها الثقافي وجمالها الخالد.

إذا واصلت رحلتك شمال شرق المدينة، ستكتشف تحفة معمارية عثمانية، وهو جسر “ميسي”، الذي يُعدُّ من أقدم الجسور في ألبانيا. يتميز الجسر بهندسته الفريدة التي تجسد براعة المهندسين العثمانيين، ويمثل معلمًا ثقافيًا وتاريخيًا بارزًا، ما يجعله مقصدًا مميزًا للزوار الذين يأتون لاستكشافه والاستمتاع بجمال الطبيعة المحيطة به.

في زيارة استثنائية، انطلقت “الجزيرة نت” في رحلة استكشافية إلى مدينة “أشكودرا، حيث كانت أولى محطاتها خارج المدينة في الجهة الجنوبية، لتكتشف معالمها الطبيعية والتاريخية. ثم واصلت جولتها إلى قلب المدينة القديمة، حيث زارت معالمها الثقافية والتراثية المميزة. وأخيرًا، اختتمت “الجزيرة نت” رحلتها الاستكشافية بزيارة “جسر ميسي” في شمالها الشرقي، لتقدم لكم مسارًا سياحيًا استثنائيًا يروي قصة إحدى أعرق مدن ألبانيا والبلقان.

إلى شمال غرب ألبانيا.. حيث تنسجم الطبيعة مع التاريخ

انطلقنا في رحلة استكشافية من موقف أتوبيسات العاصمة الألبانية تيرانا، متجهين إلى مدينة أشكودرا الواقعة في شمال غرب ألبانيا، على بُعد حوالي 94 كيلومترًا. استغرقت الرحلة نحو ساعتين. كان الطريق مليئًا بالمشاهد الرائعة التي أسرت الأعين. من جهة الشرق، امتدت سلسلة جبال شاهقة، بينما على يسارنا، انتشرت التلال الخضراء التي تتمايل بين الارتفاع والانخفاض، مُضفية على الرحلة لمسة من الجمال والبهجة.

قبيل الوصول إلى “مدينة ليجى”، بدأنا نلاحظ كيف بدأت الجبال تنحسر شيئًا فشيئًا، كما لو كانت تتراجع بخجل نحو الشرق. وحل مكانها تلال ساحرة، مغطاة بأشجار متوسطة الارتفاع تتلألأ بلون أخضر هادئ، محاطة بالحشائش الناعمة التي تُضفي على المكان شعورًا بالسلام والسكينة. كان المنظر بديعًا، وكأن الطبيعة قد رسمت لوحة فنية تُجسد جمال الأرض في أبهى صورها.

وبعد تخطي “مدينة ليجى”، ومع اقترابنا من محافظة أشكودرا، بدأت تضاريس الأرض تتغير بشكل تدريجي. بدأت السهول تنفتح أمامنا، خصوصًا على يسارنا باتجاه الشرق، حيث ظهرت مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة التي كانت تنبض بالحياة. رأينا الفلاحين يعملون في الأرض بأيدٍ ماهرة، يمارسون أقدم مهنهم التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالأرض وجعلت منها مصدر رزقهم وحياتهم. أما على يميننا، فقد ابتعدت التلال قليلاً، لكن الأرض تحتفظ بملامحها الحجرية التي تروي قصة الأرض الجافة التي لا تعرف الزرع الأخضر.

وفي تلك اللحظات، وبينما كنت أتأمل في هذه المساحات الخضراء الشاسعة، تذكرت كيف كانت الإمبراطوريات تتصارع للسيطرة على هذه الأراضي الخصبة التي كانت تمثل حلمًا وحياةً، ومفتاحًا للهيمنة في تاريخ المنطقة الطويل.

أخيرًا، وصلنا إلى المدخل الجنوبي لمدينة “أشكودرا”، حيث كان أول ما لفت انتباهنا قلعتها المهيبة، التي ترتفع فوق تلة عالية، كأنها تحرس المدينة الممتدة خلفها. أسفل القلعة، كان نهر “دريني” يتدفق بغزارة وهدوء، بمحاذاة شاطئ بحيرة أشكودرا العظيمة.

أسرنا جمال هذا المشهد الرائع، فقررنا النزول من الأتوبيس قبل الوصول إلى وسط المدينة. عبَرنا الجسر مشيًا على الأقدام، والتقطنا صورًا للنهر المتدفق أسفلنا، وللقلعة التي تلوح في الأفق أمامنا في الأعلى. اخترنا أن نحتسي قهوتنا الصباحية الأولى في مدخل مدينة “أشكودرا”، فجلسنا في مقهى جميل على ضفاف النهر، يمتد منه جسر خشبي دائري يصل إلى وسط النهر ليأخذنا إلى عالم آخر من الجمال الساحر.

من هذا المكان الساحر، حيث يلتقي في مكان قريب منها ثلاثة أنهار لتشكل مشهدًا طبيعيًا فريدًا، بدأت محطتنا الأولى في مسار رحلتنا الاستكشافية لمدينة “أشكودرا” العريقة، ومناظرها الخلابة ومعالمها التاريخية والثقافية.

“أنهار أشكودرا”.. سيمفونية مائية تعزف على أوتار الزمن

في رقصة متناغمة من المياه العذبة التي تنساب بهدوء عبر أراضٍ غنية بسهولها الخضراء الواسعة، تلتقي أنهار دريني وبونا وكيري عند المدخل الجنوبي لقلعة أشكودرا، لتشكل شبه جزيرة محاطة بالمياه من ثلاث جهات، وترسم لوحة ساحرة تعكس تناغم طبيعة خلابة تحتضن تاريخًا عريقًا.

بعد مشاهدتك لهذا المشهد الاستثنائي وتجوالك بين جنبات هذه المنطقة الساحرة، ينبض قلبك وتشعر بأنها “نبع الحياة” لسكان هذه المناطق؛ فالمياه التي تتدفق عبر الأنهار وتُمد الأرض بالخصوبة، تعزز الزراعة والصيد، وتثري الحياة الاقتصادية، وتساهم في ظهور الحضارات واستمرارها.

ومع تدفق المياه، تنبض الحياة لكائنات كثيرة في أشكودرا؛ حيث تجد الطيور المهاجرة في مياه أشكودرا ملاذًا مؤقتًا في رحلاتها الطويلة، وتجد فيها الحيوانات البرية مأوى ومنبعًا للغذاء. ويُظهر التنوع البيئي في هذه المنطقة كيف يمكن للإنسان والطبيعة أن يتعايشا بتناغم.

اليوم، يستمتع الزوار بمشهد الأنهار وهي تتدفق بسلاسة في سيمفونية مائية لا تتوقف، تعزف على أوتار الزمن. وهنا، في سطور نوصف لكم جماليات هذه الأنهار الثلاثة:

  • نهر دريني.. أحد أهم أنهار البلقان وأطول أنهار ألبانيا

يُعد “نهر دريني” أحد أهم أنهار البلقان وأطول أنهار ألبانيا، حيث يمتد على مسافة 335 كيلومترًا، متدفقًا عبر مناظر طبيعية خلابة.

ينبع الفرع الجنوبي، المعروف بـ”دريني الأسود”، من “بحيرة أوهريد”، إحدى أقدم البحيرات في العالم الواقعة جنوب غرب “مقدونيا الشمالية”. أما الفرع الشمالي، “دريني الأبيض”، فينبع من منطقة جبلية غرب “كوسوفا”. يلتقي الفرعان في منطقة “كوكس” شمال شرق ألبانيا، ليشكلا معًا نهر “دريني العظيم” الذي يتجه بمياهه الغزيرة غربًا عبر “جبال الألب الألبانية”، قبل أن يصب في أكبر بحيرة في البلقان، “بحيرة أشكودرا”.

تاريخيًا، كان نهر دريني العظيم شريان الحياة للعديد من المناطق في ألبانيا. أما في العصر الحديث، فقد ازدادت أهميته بعد إنشاء العديد من السدود والبحيرات الصناعية، أبرزها “سد فييرزا” الذي يُعد الأكبر في ألبانيا والبلقان. هذه المنشآت تُغذي البلاد بأكثر من 70% من احتياجاتها من الكهرباء.

يمر نهر دريني عبر بيئات طبيعية متنوعة تتمتع بمناظر خلابة، بدءًا من جبال الألب الألبانية المغطاة بالثلوج، وصولاً إلى سهول “أشكودرا” الخضراء والخصبة. كما تُعد المناطق المحيطة بالنهر ملاذًا طبيعيًا للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية النادرة. تُعتبر المنطقة أيضًا موطنًا هامًا للطيور المهاجرة، مما يجعلها محمية بيئية هامة على المستوى المحلي والدولي، ويجعل منها وجهة سياحية مثالية.

  • نهر بونا.. الوحيد بألبانيا الذي ينبع من بحيرة ليصب في بحر

يعد نهر بونا من أجمل المواقع التي تجمع بين الجمال الخلاب والتنوع البيئي الغني، ما يجعله وجهة سياحية وثقافية لا تُفوت. ينبع النهر من بحيرة أشكودرا شمالًا، ليصب مياهها جنوبًا في البحر الأدرياتيكي، وهو النهر الوحيد في ألبانيا الذي يتدفق من بحيرة ليصب في بحر، مما يضفي عليه أهمية استثنائية في النظام البيئي للمنطقة.

يمتد النهر لمسافة 41 كيلومترًا، منها 20 كيلومترًا داخل الأراضي الألبانية، بينما تشكل الـ 24 كيلومترًا المتبقية حدودًا طبيعية بين ألبانيا والجبل الأسود. يتعرج النهر في هذا القسم الحدودي بشكل واسع، مما يعزز من جماله الطبيعي ويجعله واحدًا من المسارات المائية الفريدة في المنطقة.

يعتبر نهر بونا من أهم المواقع البيئية في البحر الأبيض المتوسط الشرقي، حيث يحتوي على أراضٍ رطبة تعد من أبرز المحميات الطبيعية في المنطقة. يضم النهر حوالي 320 نوعًا من النباتات، و250 نوعًا من الطيور، و107 أنواع من الأسماك. من بين هذه الأنواع، توجد العديد من الأنواع المهددة. كما تزخر ضفافه بغابات البلوط الكثيفة التي تساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي الفريد.

وبفضل تدفق مياه نهر الدرين الكبير الذي يصب في نهر بونا من الشرق، يحتل نهر بونا المرتبة الثانية بين الأنهار التي تصب في البحر الأدرياتيكي من حيث التصريف السنوي، بعد نهر بو في إيطاليا. يعكس الحجم الكبير للمياه التي يحملها النهر تأثيره العميق في تغذية البيئة المحلية، كما يسهم في دعم الزراعة والأنشطة الاقتصادية في المنطقة، مما يجعله شريانًا حيويًا يغذي المجتمعات المحيطة.

تُعد ضفاف نهر بونا واحدة من الوجهات السياحية الجذابة لعشاق الطبيعة والمغامرة. تقدم المنطقة مجموعة واسعة من الأنشطة المائية مثل التجديف وصيد الأسماك، بالإضافة إلى الرحلات البحرية التي تمنح الزوار فرصة استكشاف المناظر الطبيعية الخلابة والبيئة الفريدة المحيطة بالنهر.

  • نهر كيري.. وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والهدوء

نهر كيري هو أحد الأنهار الجبلية الصغيرة والمميزة في شمال غرب ألبانيا. ينبع من جبال الألب الألبانية شمال أشكودرا، ويمتد لمسافة حوالي 52 كم. يمر النهر عبر الوديان الضيقة والمناطق الريفية الخلابة في طريقه نحو الجنوب الغربي، ليعبر أطراف مدينة أشكودرا الغربية قبل أن يصب في نهر درين إلى الجنوب من المدينة.

يعتبر نهر كيري وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والهدوء، حيث يتميز بمياهه العذبة الصافية التي تتدفق بغزارة، مما يخلق جوًا هادئًا وطبيعيًا في المناطق التي يمر بها، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية. يفضل العديد من الزوار الاسترخاء على ضفافه والتأمل في المناظر الطبيعية الخلابة، بينما يرى آخرون في النهر بيئة مثالية لممارسة الأنشطة الرياضية والترفيهية، مثل المشي على المسارات الجبلية، أو السباحة في مياهه الصافية خلال فصل الصيف، أو الصيد في مياه النهر العذبة.

المناطق التي يمر بها نهر كيري شهدت حياة نشطة منذ العصور القديمة، ولا تزال تحتفظ بحيويتها حتى اليوم. يعود اسم النهر إلى قبيلة كيري الألبانية التي كانت تسكن “وادي كير” عند المنابع العليا للنهر، والذي يتميز بتضاريسه الوعرة والمنحدرات الصخرية الحادة. خلال الحقبة العثمانية، تم بناء جسر حجري رائع يُعرف بجسر “ميسي” فوق نهر كيري، وهو يعد أحد أبرز المعالم الأثرية والسياحية في المنطقة، ويجذب الزوار من مختلف الأماكن. هذا المعلم يعكس الحياة الزراعية والتجارية النشطة التي كانت سائدة في تلك المنطقة عبر العصور.

ختامًا، لاحظنا بأنه على الرغم من كون أشكودرا مدينة غنية بالموارد الطبيعية التي أظهرت فيها الطبيعة سخاءً لا مثيل له من خلال مناظرها الخلابة؛ فإن العديد من هذه الموارد، بما في ذلك شواطئ الأنهار الثلاثة الهامة في المنطقة، لم تُستغل بالشكل الأمثل بسبب ضعف البنية التحتية للطرق ونقص بعض الخدمات الأساسية. ورغم ذلك، تعمل الحكومات الألبانية الحديثة على تحسين هذه الظروف وتنمية المنطقة لتحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الموارد الطبيعية.

قلعة أشكودرا “روزافا”.. جوهرة تاريخية تطل على طبيعة خلابة

على قمة تل صخري عند المدخل الجنوبي الغربي للمدينة،وأمام ملتقى الأنهار الثلاث؛ تقع قلعة أشكودرا، بالقرب من بحيرتها العظيمة، وتتميز بموقعها الاستراتيجي الذي يهيمن على المنطقة المحيطة. القلعة التي تشتهر كذلك باسم قلعة روزافا، تعد أقدم معالم أشكودرا التاريخية، وأهم قلاع ألبانيا؛ بل ومنطقة البلقان بأكملها.

يعود تاريخ القلعة إلى عدة قرون قبل الميلاد، حيث تم بناؤها من قبل الإيليريين (أجداد الألبان الذين سكنوا مناطق غرب البلقان قبل سيطرة الرومان على أراضيهم). تم تعزيز القلعة في فترات لاحقة على يد الرومان والبيزنطيين والعثمانيين وأمراء البندقية، مما أضفى عليها طابعًا معماريًا متعدد الثقافات.

شهدت القلعة ازدهارًا كبيرًا في العصور الوسطى، حيث كانت تمثل حصنًا قويًا يراقب المنطقة المحيطة، بما في ذلك الممرات التجارية البحرية والبرية التي كانت تربط وسط أوروبا عبر البحر الأدرياتيكي بمنطقة جبال الألب الألبانية وشرق البلقان. تم تحصين القلعة بأسوار ضخمة وأبراج دفاعية، مما جعلها قادرة على مقاومة الهجمات لفترات طويلة.

تعود شهرة القلعة إلى أسطورة روزافا، التي تحكي عن تضحية امرأة دفنت في جدران القلعة لتظل صامدة عبر الزمن. وهذه الأسطورة جعلت القلعة مقصدًا سياحيًا فريدًا ومصدرًا للعديد من القصص الشعبية.

التنظيم الطبوغرافي للقلعة يعكس عبقرية التصميم الدفاعي في الحقبة العثمانية والفينيسية، مما يجعلها واحدة من أبرز معالم ألبانيا التاريخية. وتتألف القلعة من ثلاثة أفنية رئيسية متتالية تتواصل مع بعضها عبر بوابات، وتقع على مستويات أرضية متصاعد في الارتفاع، تبدأ من الشمال الشرقي باتجاه الجنوب الغربي، كالتالي:

  • الفناء الأول: يبدأ عند المدخل الشمالي الشرقي حيث يمكن الدخول إليه من بوابة القلعة الرئيسية، ويضم برجًا أسطوانيًا، ومستودعات، ومبنى يعود للعصر الفينيسي.
  • الفناء الثاني: يتوسط القلعة ويضم مسجد الفاتح، السجن، والمخازن المخصصة لتخزين المواد الغذائية والمياه.
  • الفناء الثالث: يقع في أعلى نقطة من القلعة، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بإطلالة رائعة على منظر طبيعي مدهش لثلاثة تحيط بالقلعة وتلتقي في الجهة الجنوبية منها، بونا، كيري، ودريني العظيم، في مشهد مذهل يُسحر العيون.

في هذا الفناء على يسارك بعد اجتيازك للبوابة الثالثة؛ يقع متحف روزافا، داخل مبنى فينيسي يعود إلى العصور الوسطى، يُعرف باسم (مبنى الكابتن)، الذي كان في السابق مقرًا لسلطة القائد العسكري الفينيسي. يعرض المتحف تاريخ طويل يمتد لحوالي 4000 عام، ويغطي مراحل عدة من تاريخ المنطقة بدءًا من فترة ما قبل التاريخ وصولًا إلى العصور الوسطى والحديثة، بما في ذلك أبرز العائلات والشخصيات التي تركت بصمتها في المنطقة.

يوفر المتحف معلومات للزوار بلغات متعددة، بما في ذلك اللغة الألبانية والإنجليزية، بالإضافة إلى استخدام لغة برايل لضعاف البصر. يمكن للزوار استكشاف التاريخ من خلال النقوش، الوثائق الأرشيفية، وأعمال فنية تعكس مختلف الحقب الزمنية.

“قلعة روزافا”، تعد من أروع المناطق في ألبانيا التي تشكل نقطة جذب سياحية وتاريخية وثقافية في آن واحد؛ فهى تقدم لزوارها لمحات هامة عن تاريخ أشكودرا وألبانيا معًا، وفي ذات الوقت تتيح لهم الاستمتاع بالطبيعة الخلابة المحيط بالقلعة.

بحيرة أشكودرا.. لؤلؤة البلقان الطبيعية

في غرب المدينة، حيث تلتقي التلال الخضراء بالمياه الزرقاء الصافية، تسير خطواتي الهادئة على ضفاف بحيرة أشكودرا، أكبر بحيرة في شبه جزيرة البلقان، التي تمتد عبر حدود ألبانيا والجبل الأسود، لتغطي مساحة تتراوح بين 360 و540 كيلومترًا مربعًا، وتشكل مع الأنهار المحيطة بها، منظومة مائية غنية توفر بيئة طبيعية فريدة، مما يجعلها ملاذًا للباحثين عن عالم من السكينة والجمال.

  • تطور واتساع: لم تكن بحيرة أشكودرا في شكلها الحالي كما كانت سابقًا؛ فقد شهدت البحيرة تطورًا ملحوظًا وزيادة في مساحتها منذ منتصف القرن العشرين، وذلك بعد أن تشكل فرع جديد لنهر درييني الذي يصب في نهر بونا. هذا التوسع الذي ما زال مستمرًا حتى يومنا هذا، ساعد في زيادة تدفق المياه وتعزيز حجم البحيرة. اليوم، تمتد بحيرة أشكودرا على طول 45 كيلومترًا وعرض يصل إلى 13 كيلومترًا، وتتمتع بعمق متوسط يتراوح بين 7 و10 أمتار، بينما يصل أقصى عمق لها إلى 44 مترًا. وتشكل البحيرة مصدرًا مهمًا لنهر بونا، الذي يتدفق نحو البحر الأدرياتيكي، مما يضيف بعدًا بيئيًا وثقافيًا لهذه المنطقة التي تربط بين المياه العذبة والمالحة مما خلق بيئة مناسبة للطيور المهاجرة التي تمر عبر نهر بونا.
  • تنوع بيولوجي ومنبع للحياة البرية: تعتبر بحيرة أشكودرا ملاذًا لأنواع متعددة من الكائنات البحرية والطيور. فهي موطن لما يقرب من 50 نوعًا من الأسماك، 37 منها أنواع محلية، بالإضافة إلى حوالي 280 نوعًا من الطيور. تعد البحيرة نقطة جذب رئيسية لعشاق مراقبة الطيور، إذ أنها تحتضن بعض الأنواع المهددة بالانقراض، مثل الطائر ذو الوجه الأبيض “الدالنديشة” والبلقان الأبيض.
  • أما على الصعيد السياحي: فإن بحيرة أشكودرا تقدم فرصًا لا حصر لها للاستمتاع بالطبيعة، بدءًا من ركوب القوارب على مياهها الهادئة، وصولًا إلى التجديف واستكشاف القرى المجاورة مثل قرية شيروكا، التي تشتهر بمطاعمها التي تقدم أشهى أطباق السمك الطازج. وحتى لمن يعشقون المغامرة، توفر البحيرة الخلجان الصغيرة والممرات الحجرية التي تتيح لهم اكتشاف جوانب جديدة من هذا الجمال الطبيعي.
  • حماية بيئة وتعاون دولي: إدراكًا لأهمية بحيرة أشكودرا البيئية، تعاونت حكومات ألبانيا والجبل الأسود في إنشاء مناطق محمية لحمايتها. بدأ هذا الجهد في عام 1983 عندما تم إعلان البحيرة منتزهًا وطنيًا في الجبل الأسود، ثم تم الإعلان عن الجزء الألباني من البحيرة منتزهًا طبيعيًا في عام 2005. تهدف هذه الجهود إلى الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي وضمان الاستخدام المستدام للموارد المائية.
  • اهتمام أوروبي: كما تُعد البحيرة أحد المحميات الطبيعية المهمة في أوروبا نظرًا لدورها الحيوي في الحفاظ على التنوع البيولوجي؛ لذا تم تصنيفها كـ”منطقة مهمة للطيور” (IBA – Important Bird Area). هذا التصنيف يعكس الأهمية البيئية الفريدة التي تتمتع بها البحيرة والذي لا يعزز فقط مكانة البحيرة بيئيًا، بل يساهم أيضًا في توجيه السياسات البيئية المحلية والإقليمية لحمايتها وتنميتها.
  • جوهرة البلقان الطبيعية: تظل بحيرة أشكودرا جوهرة طبيعية في قلب البلقان، حيث تجد نفسك في عالم من الجمال الذي لا ينتهي؛ فقد التقت الطبيعة والتاريخ في تناغم مذهل، مما خلق تجربة سياحية إستثنائية للزوار لا تنسى أبدًا.

 

أشكودرا.. منبع التراث الإسلامي في ألبانيا

تُعد أشكودرا من أبرز المدن الألبانية التي حافظت على التراث الإسلامي عبر العصور، بفضل مؤسساتها التعليمية التي أسهمت في تخريج العديد من العلماء والمفكرين. كانت المساجد والمدارس الإسلامية (الكتاتيب والمدارس المتوسطة والعليا) في قلب هذا الدور الحيوي، حيث كانت تمثل مراكز رئيسية للعلم والتعليم.

كان للمساجد دور محوري في نشر العلم، حيث كانت تُدرَّس فيها المواد الدينية مثل القرآن الكريم، الفقه، والحديث، بالإضافة إلى كونها مراكز اجتماعية ودينية. إلى جانب المساجد، أسهمت الكتاتيب في التعليم التمهيدي للأطفال، حيث كانت تُدرَّس فيها اللغة العربية والقرآن الكريم، مما هيأ الطلاب للالتحاق بالمدارس العليا. كانت هذه المؤسسات بمثابة حجر الأساس لتخريج الأجيال الجديدة من العلماء الذين حملوا رسالة العلم والدين.

تخرج العديد من العلماء البارزين من هذه المدارس، الذين ساهموا في النهضة الدينية والتعليمية في ألبانيا وشاركوا في النقاشات الفكرية والدينية خلال فترة الحكم العثماني. ومع قدوم الحقبة الشيوعية، واجه التعليم الإسلامي تحديات كبيرة تمثلت في إغلاق المدارس الإسلامية وهدم المساجد ومصادرة الأوقاف، مما أثر على الحياة الدينية والثقافية في المنطقة.

ومع سقوط النظام الشيوعي في التسعينات، بدأت المؤسسات التعليمية الإسلامية في العودة تدريجيًا. من أبرز هذه المؤسسات كانت مدرسة “حاجي شيه شامية” (Haxhi Sheh Shamia)، التي تأسست في 1991، وجمعت بين التعليم الديني والتعليمي العام. وتُعد هذه المدرسة من أكبر المدارس الدينية في ألبانيا والبلقان، حيث تواصل أداء دورها في تعليم الأجيال الجديدة من الشباب قيم العلم والدين.

في النهاية، تظل أشكودرا نقطة محورية في الحفاظ على التراث الإسلامي في المنطقة، من خلال مؤسساتها التعليمية التي تجمع بين العلوم الشرعية والعلمية، مما يساهم في استمرار تاريخها الغني وإحياء القيم الدينية والثقافية.

 

معهد “كوناك” يسلط الضوء على التراث الإسلامي الألباني

ومما يعكس مكانة أشكودرا في الحفاظ على التراث الإسلامي الألباني أن معهد “كوناك” اختارها محطة رئيسية لتسليط الضوء على هذا الإرث العريق.

خلال زيارتنا لأشكودرا، قمنا بجولة في معرض استثنائي ينظمه معهد “كوناك”، حيث يبرز جماليات التراث الإسلامي الألباني. يأتي هذا المعرض ضمن سلسلة فعاليات ثقافية يطلقها المعهد، وتهدف إلى إحياء هذا التراث وتسليط الضوء على ثرائه عبر فترات تاريخية مختلفة.

تم انتقاء القطع الأثرية المعروضة بعناية فائقة، لتقديم صورة شاملة عن جوانب متعددة من التراث الإسلامي في ألبانيا، بما يعكس عمق تأثيره في الهوية الثقافية للبلاد. وأوضح منظمو المعرض خلال حديثنا معهم أن اختيار أشكودرا كموقع للمعرض الثاني بعد العاصمة تيرانا لم يكن محض صدفة؛ بل جاء تقديرًا لدور المدينة في الحفاظ على هذا التراث، خاصة وأن العديد من القطع الأثرية المعروضة تعود إليها.

اللافت أن مدير قسم التراث بهذا المعهد، الشيخ سمير إسماعيلي، بدأ قبل عقد من الزمن مبادرة لجمع التراث الإسلامي الألباني المتناثر، وأسّس متحفًا صغيرًا في شقة بإحدى العمارات السكنية كخطوة أولى. واليوم، يعمل المعهد على إنشاء معرض دائم لهذه المقتنيات، مع الالتزام بأعلى معايير الحفظ، بما يضمن بقاء هذه الكنوز الثقافية للأجيال القادمة.

 

جوامع أشكودرا الأثرية

تحتضن أشكودرا العديد من الجوامع الأثرية التي تعكس تراثها الإسلامي العريق كواحدة من مراكز الثقافة الإسلامية في المنطقة. وتساهم في فهم أعمق للتعايش الديني والثقافي، ومن أبرزهم:

  • جامع الرصاص.. أروع الجوامع العثمانية في ألبانيا

يُعد جامع الرصاص، أجمل جوامع أشكودرا الأثرية، كما يُعتبر من أروع وأكبر الجوامع العثمانية في ألبانيا. صنفته الحكومة الألبانية كمعلم ثقافي من الفئة الأولى عام 1948، ويعد رمز للتراث الإسلامي بسمته العثماني في المنطقة. وله رمزية كبيرة على مستوى البلاد؛ حيث كان أول مسجد يتم فتحه في البلاد خلال شهر نوفمبر من عام 1990 بعد نحو ربع قرن من غلق الشيوعية لكافة المساجد؛ الأمر الذي يعكس مكانته وكذلك يدلل على مدى صمود أهل أشكودرا أمام الشيوعية فكانوا أول من تحرك في ألبانيا لاسقاطها وإعادة فتح المساجد من جديد.

الجامع، المعروف أيضًا بـ”جامع محمد باشا بوشاتي”، تم بناؤه في الفترة بين عامي 1773 و1774 على يد محمد باشا بوشاتي، مؤسس عائلة بوشاتلي الشهيرة. واستمد اسمه من القبة الرصاصية التي زينته والتي أضفت عليه هيبةً وجمالًا فريدًا. وهو أسلوب معماري مميز في تلك الفترة. واستوحي تصميمه من العمارة العثمانية، وخاصة مساجد السلاطين في إسطنبول.

يقع الجامع على أطراف المدينة، تحت قلعة أشكودرا، محاطًا بسهل خصب يلتقي فيه نهرا كيري ودْرين، مما يمنحه طابعًا جغرافيًا مميزًا. ويتميز بفناءٍ مفتوح وأروقةٍ واسعة، تقود إلى قاعة الصلاة المزينة بقبة ضخمة ترتكز على قاعدة ثُمانية الأضلاع. الحجر المستخدم في البناء أزرق وأبيض، يعكس مقاومة عالية لعوامل التعرية.

ورغم تعرضه لأضرار على مر العقود، بما في ذلك الفيضانات المتكررة، فإن الجامع بقي شاهدًا حيًا على عبقرية معمارية إسلامية عريقة. وبالرغم من التحديات التي واجهها، خاصة خلال فترة الحكم الشيوعي التي شهدت تدمير العديد من المعابد الدينية، تم الحفاظ عليه وترميمه كجزءٍ من التراث الوطني الألباني. وحاليا تقوم الحكومة التركية بإعادة ترميم وتجديد الجامع وينتظر الانتهاء منه وافتتاحه قبيل شهر رمضان القادم من عام 2025.

جامع باروتسا.. قلب الاحتفالات الدينية في المدينة

يقع جامع “باروتسا” الأثري في حي باروتسا التاريخي في قلب مدينة أشكودرا، ويُعتبر من أبرز المعالم الثقافية والدينية في المدينة، وله قصة ممتدة تجمع بين التاريخ، التحديات، والتميز الفني.

في القرن الثامن عشر، قامت عائلة “يوكا” (Juka) ببناء أول جامع في موقع باروتسا، والذي عُرف باسم “جامع باروتسا القديم”. تميز هذا المبنى بالبساطة في تصميمه دون أي زخارف فنية، حيث كان مجرد مساحة للعبادة. وعلى الرغم من محاولات العثمانيين لإعادة بناء الجامع بأسلوب أكثر تطورًا، إلا أن العائلة رفضت، كونه مقامًا على أرض تمتلكها.

بجهود المفتي “صالح أفنديو” وبعد الحصول على دعم من الحكومة وتبرعات من الأهالي، تم بناء جامع جديد في عام 1937. صممه المهندس “سادي” وتميز بخصائص معمارية فريدة، حيث احتوى على مئذنتين بارتفاع حوالي 40 مترًا، ثلاث مداخل، وثلاث قاعات جميلة خُصصت للنساء أثناء الصلاة.

زُيِّن الجامع بزخارف داخلية مذهلة بمساهمة فنانين إيطاليين ومهرة محليين مثل “الأخوين كاريني” الذين عملوا على أعمال الخشب، والخطاط الشهير “شفقت كراجا” الذي أبدع في زخرفة المحراب والمنارات.

كان جامع باروتسا قلب الاحتفالات الدينية في المدينة، حيث احتضن المناسبات الإسلامية الكبرى مثل تلاوة المولد النبوي. أشاد زوار أجانب بجماله الفني، واعتبروه أحد أجمل المساجد في المنطقة، بفضل تصميمه الفريد وزخارفه البديعة.

في عام 1967، خلال حملة النظام الشيوعي المناهضة للأديان، تعرض الجامع للتدمير الكامل، بما في ذلك محرابه المزخرف الذي كان يُعد من الكنوز الثقافية والفنية للمدينة. لكن في عام 2006، أُعيد بناء الجامع، وتم افتتاحه مرة أخرى في عام 2007، ليعود رمزًا دينيًا وثقافيًا يعبر عن صمود مدينة أشكودرا.

جامع باروتسا يمثل رمزًا للتعايش الثقافي والديني في ألبانيا. إعادة بنائه تُظهر تمسك أهل المدينة بتراثهم وهويتهم رغم كل التحديات.

  • جامع أبو بكر.. معلم إسلامي يعيد إحياء التراث العثماني في أشكودرا

في قلب أشكودرا، يبرز جامع أبو بكر كواحد من أبرز المعالم الإسلامية الحديثة، مجسدًا نهضة دينية وثقافية أعادت صياغة هوية المدينة بعد عقود من القمع الديني الذي عانته ألبانيا خلال الحقبة الشيوعية.

يقع الجامع، المعروف أيضًا باسم “مسجد فوش تشيلا الجديد” أو “المسجد الكبير”، في موقع استراتيجي عند نهاية ممشى متصل بفندق كولوسيو، ما يجعله وجهة مميزة للمصلين والسياح.

تم بناء المسجد الحالي على أنقاض مسجد فوش تشيلا التاريخي الذي كان من أبرز مراكز التعليم الإسلامي قبل تدميره في الحقبة الشيوعية. المسجد الأصلي، الذي تأسس عام 1917، كان يضم مدرسة دينية مرموقة جذبت علماء بارزين وأسهمت في نهضة علمية وثقافية لمدينة أشكودرا.

في عام 1994، انطلقت أعمال تشييد المسجد الجديد، وتم افتتاحه رسميًا في 27 أكتوبر 1995، ولاحقًا، شهد المسجد عملية تجديد شاملة عام 2008 لتعزيز بنيته وتطوير مرافقه.

في عام 1994، بدأ العمل على بناء المسجد الجديد وافتُتح رسميًا في 27 أكتوبر 1995، ليتحول إلى مركز ثقافي وديني نابض بالحياة، يستضيف أنشطة متعددة وينظم فعاليات ثقافية تهدف لتعزيز الهوية الإسلامية بين أهل أشكودرا من جديد.

يحمل مسجد أبو بكر طابعًا معماريًا يجمع بين الجمال الكلاسيكي والحداثة، مما يضفي عليه شخصية مميزة. بفضل تصميمه الفريد وقيمته التاريخية، بات المسجد شاهدًا حيًا على التحديات التي واجهتها الأقلية المسلمة في ألبانيا، ورمزًا لإصرارهم على الحفاظ على إرثهم وهويتهم.

بجماله العمراني وقيمته التاريخية، يمثل مسجد أبو بكر نموذجًا للروح الإسلامية الصامدة في ألبانيا، وشاهدٌ حي على قدرة المجتمعات على تجاوز المحن وبناء مستقبل أكثر إشراقًا.

متاحف أشكودرا الثقافية والفنية.. في أحضان بيوتها الأثرية العتيقة

في أشكودرا، حيث تمتزج فيها الثقافة مع التاريخ في لوحة فنية تعكس عراقة المنطقة؛ تجد العديد من البيوت الأثرية ذات الطراز المعماري العثماني والأوروبي، والتي تعد تحفًا معمارية تُظهر التنوع الثقافي للمدينة، قد تحولت بمرور الزمن إلى متاحف، وفنادق، ومطاعم، مما يُبرز بشكل واضح أهمية المدينة الثقافية والتراثية، ويعكس اعتزاز سكانها بتراثهم وحرصهم على الحفاظ عليه والتعريف به لزوارهم.

ومن جهة أخرى؛ فقد ساهم تحويل هذه المباني القديمة لأماكن جذب سياحي في تحقيق تنمية اقتصادية، عبر خلق فرص عمل وترويج لمنتجات الحِرف التقليدية، والتعريف بالمأكولات المحلية الشهيرة مما ساهم في تنويع مصادر الدخل لسكان المدينة.

ونواصل مسارنا السياحي هذا، ونأخذكم معنا في جولة رائعة على أبرز هذه البيوت الأثرية التي تحولت لمتاحف تاريخية وفنية، وكذلك لفنادق متحفية ومطاعم تراثية.

  • المتحف التاريخي لأشكودرا.. نافذة على تاريخ مدينة وثقافتها العريقة

في قلب مدينة أشكودرا، يقع متحفها التاريخي كنافذة يطل عبرها الزوار على تاريخ المدينة وثقافتها العريقة. افتُتح هذا الصرح الثقافي في عام 1947 تحت اسم “المتحف الشعبي”، ليكون معلمًا يعكس التراث المحلي ويشهد على حقب تاريخية مضيئة. وبحلول عام 1949، عقب توسعات كبيرة في المعروضات، تغير اسمه إلى “المتحف التاريخي” ليشمل ملامح أوسع وأعمق من النواحي الاجتماعية والثقافية للمدينة.

كان المتحف في بداية تأسيسه في مبنى أثري يعود إلى القرن التاسع عشر وسط المدينة، بالقرب من برج الساعة الشهير، الذي يعد رمزًا تاريخيًا هامًا لأشكودرا. ثم في عام 1996، تم نقل المتحف إلى منزل “أوسو كوكا”، ـوهو بطل قومي استشهد خلال دفاعه عن المدينةـ وهو مبنى تقليدي تم ترميمه بعناية فائقة، ليحافظ على الطابع المعماري المميز لأشكودرا.

بدأت قصة المتحف بتبرعات سخية من المجموعات الخاصة التابعة لديري اليسوعيين والفرنسيسكان، التي ضمت مقتنيات نادرة تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. أضافت لهذه المقتنيات إسهامات من عائلات أشكودرا العريقة، التي قدمت قطعًا ثقافية تعكس جوانب الحياة اليومية وتعزز الطابع الثقافي للمدينة. مع مرور الوقت، ازداد حجم المجموعة بشكل كبير من خلال التبرعات والاكتشافات الأثرية، مما جعل أشكودرا تصبح واحدة من المدن الألبانية التي تضم شبكة متاحف متعددة.

وقد أسهمت هذه التوسعات في تشكيل “شبكة المتاحف السبعة” المنتشرة عبر أرجاء المدينة، والتي تعكس جوانب مختلفة من تاريخ وثقافة أشكودرا، مما جعل المدينة واحدة من المدن الألبانية القليلة التي تتميز بمثل هذه الشبكة المتحفية الثقافية.

يضم المتحف التاريخي لأشكودرا ثلاثة أقسام رئيسية بالإضافة للمكتبة:

  1. قسم الإثنوغرافيا: يتناول هذا القسم الحياة اليومية لسكان أشكودرا خلال القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. يعرض الأزياء التقليدية، الأدوات المنزلية، والحرف اليدوية التي استخدمها السكان في حياتهم اليومية.
  2. قسم الآثار: يحتوي هذا القسم على قطع أثرية نادرة تم جمعها من مواقع محلية تعود إلى فترات تاريخية متعددة، بدءًا من العصر البرونزي وحتى العصور الوسطى. يضم الفخار، الأدوات الحجرية، والقطع المعدنية التي تسلط الضوء على تاريخ المنطقة الطويل.
  3. قسم الفنون البصرية: يضم هذا القسم مجموعة من اللوحات الفنية والصور الفوتوغرافية القديمة التي توثق حياة سكان أشكودرا وثقافتها منذ القرن التاسع عشر. تعتبر هذه الأعمال من أبرز مقتنيات المتحف، حيث تعكس جوانب متنوعة من الحياة الثقافية والاجتماعية للمدينة.
  4. بالإضافة إلى المكتبة: تعد المكتبة جزءًا أساسيًا من المتحف، إذ تحتوي على أرشيف غني من المخطوطات والوثائق التاريخية النادرة. توفر المكتبة للباحثين والمتخصصين فرصة الاطلاع على تاريخ المدينة وإجراء الدراسات الأكاديمية المتعلقة بتاريخ أشكودرا وألبانيا بشكل عام، مما يجعلها مركزًا حيويًا للإنتاج المعرفي.

يُعتبر المتحف التاريخي لأشكودرا مركزًا مهمًا للحفاظ على التراث الثقافي المحلي وللبحث الأكاديمي. يمثل المتحف شاهدًا حيًا على تاريخ المدينة العريق ويعكس شغف سكان اشكودرا بالهوية الثقافية وحفظها للأجيال القادمة. زيارة المتحف تعد تجربة غنية تضيف الكثير للزوار وتثري معرفتهم بتاريخ وثقافة هذه المدينة الفريدة.

ختامًا، يعكس المتحف التاريخي في منزل أوسو كوكا، مع متحف “روزافا” في قلعة أشكودرا، تاريخ المدينة من زوايا ثقافية وعسكرية، ويجعلان أشكودرا وجهة مثالية لعشاق التاريخ والثقافة.

  • “متحف ماروبي”.. أقدم نافذة بصرية على تاريخ ألبانيا

في خضم رحلتي لاستكشاف تاريخ أشكودرا، توجّهت سريعًا نحو أحد أقدم الكنوز الضوئية في البلقان، الذي يعد من أبرز المعالم الثقافية التاريخية في المدينة، ويمثل نافذة بصرية تسلط الضوء على الحياة اليومية وتغيرات المجتمع الألباني خلال ما يزيد من قرن. إنه “متحف ماروبي الوطني للتصوير الفوتوغرافي”.

تأسس “استوديو ماروبي”، في عام 1856 في أشكودرا ليكون أول استوديو تصوير فوتوغرافي في ألبانيا، وأحد أقدم الاستوديوهات في أوروبا (السادس أوروبيًا). وأصبح أرشيفه الهائل بمثابة شهادة حية على قوة دور الصورة في توثيق حياة الشعوب، ليصبح مرجعًا أساسيًا للمؤرخين والفنانين في دراسة التاريخ الثقافي والاجتماعي للبلاد.

يمتد “أرشيف ماروبي”، لأكثر من 100 عام، حيث وثّق ثلاثة أجيال من عائلة ماروبي الحياة في ألبانيا من منتصف القرن التاسع عشر حتى ستينيات القرن العشرين. بدأ “بيترو ماروبي”، مؤسس الاستوديو، بتوثيق الحياة اليومية في المنطقة. ثم جاء “كيل ماروبي، الذي عمل بين عامي 1910 و1930، معززًا تقنيات التصوير. وفي مرحلة لاحقة، تولى “غيغا ماروبي”، قيادة الاستوديو، مستمرًا في توثيق التغيرات الاجتماعية والسياسية في ألبانيا حتى الستينيات.

يحتوي “أرشيف ماروبي”، على ما يقارب نصف مليون صورة توثق تقاليد الشعب الألباني، الأزياء، الطقوس اليومية، والأحداث التاريخية التي شهدتها ألبانيا والبلقان. وقد أصبحت هذه الصور جزءًا من الهوية البصرية للبشرية، إذ يعكس كل منها نمط الحياة الاجتماعية والسياسية في تلك الفترات.

عندما دخلت إلى المتحف، شعرت وكأنني أبحر عبر الزمن، حيث تغرق عيني في تفاصيل دقيقة لصور التقطها “المصور ماروبي”. كان لكل صورة قصة تروي لنا حكايات الحياة اليومية لأهل المدينة، من ملابسهم إلى عاداتهم، وحتى ملامحهم السياسية والشخصيات البارزة في تاريخهم. لقد نقلتني عدسة ماروبي إلى عوالم مختلفة، كأنني أسمع ضحكات وصيحات تنبض بالحياة في الشوارع القديمة.

اليوم، يضم “المتحف الوطني للتصوير الفوتوغرافي”، الذي افتُتح في عام 2016 في مبنى تاريخي صممه كولي إيدرومينو، أرشيف ماروبي، ليصبح أحد أهم الأرشيفات الفوتوغرافية في أوروبا. يُعترف به دوليًا كتراث ثقافي عالمي، مما يعزز مكانته كمؤسسة ثقافية رائدة.

المتحف لا يعرض الصور فحسب، بل يحتوي أيضًا على الأدوات القديمة التي استخدمها ماروبي وأسرته في توثيق الأحداث. هذه الأدوات تروي قصة تطور فن التصوير، من الكاميرات القديمة إلى المعدات الحديثة التي ساعدت على التقاط اللحظات المميزة.

وفي عام 2017، تم ترشيح المتحف الوطني للتصوير الفوتوغرافي لجائزة “متحف العام الأوروبي”، مما يعكس دوره كإحدى المؤسسات الثقافية البارزة التي تجمع بين الحفاظ على التراث وتشجيع التفاعل المجتمعي.

  • متحف “باشكو فاسا”.. أحد رموز النهضة الثقافية والفكرية في ألبانيا

يُعد متحف “باشكو فاسا” في أشكودرا، وهو مبنى تاريخي لعائلته يزيد عمره عن ثلاثة قرون، شاهدًا على تاريخ مجيد خلال القرنين الماضيين؛ فقد كان مقرًا رئيسيًا للحركة الوطنية الألبانية خلال حقبة تراجع العثمانيين في البلقان، وتم ترميمه عدة مرات، ويُعتبر اليوم نصبًا ثقافيًا ووجهة سياحية هامة.

يتميز المنزل بطرازه المعماري التقليدي وديكوراته الأصلية المصنوعة من الخشب، بالإضافة إلى حدائقه التي تحتضن بئرًا حجريًا وأدوات منزلية تعكس الحياة اليومية التقليدية في ذلك العصر. واليوم، تحول البيت إلى متحف ثقافي يعرض كتبًا ومخطوطات بخط يد باشكو فاسا بجانب صورًا تحكي حياته ومسيرته الفكرية.

يعد “باشكو فاسا”، (1825-1892)، أحد رموز النهضة الثقافية والفكرية في ألبانيا، وينحدر من عائلة معروفة بالثقافة والمكانة الاجتماعية الرفيعة. تعلم في أشكودرا منذ صغره، وتأثر بالمشاكل الاجتماعية التي دفعت به لكتابة أعمال بلغات متعددة. كان يتقن الفرنسية والإيطالية واليونانية والتركية والعربية والصربية والإنجليزية.

كان كاتبًا مرموقًا، فقد شارك في تطوير الأبجدية الألبانية، كما كان سياسيًا ألبانيًا بارزًا، فقد ساهم في الحركة الوطنية الألبانية، ومن أبرز كتبه السياسية “الحقيقة عن ألبانيا والألبانيين”، أيضًا عرف بأدواره في خدمة الدولة العثمانية، ففي 18 يونيو 1883، عُيّن حاكمًا على لبنان.

توفي عام 1892 في لبنان، وفي عام 1978، أُعيدت رفاته هو وزوجته إلى ألبانيا، حيث أعيد دفنهما معًا في مقبرة الشهداء بمدينته أشكودرا.

  • برج “ساعة الإنجليزي”.. من طموحات دينية إلى رمز ثقافي

في وسط مدينة أشكودرا الألبانية، يقف برج “ساعة الإنجليز” المعروف محليًا باسم “كولا الإنجليزي”، شاهدًا على ماضٍ حافل، متجذرًا في التاريخ، تُروى عنه الكثير من القصص. هذه الساعة، التي كانت مقرًا للمتحف التاريخي خلال الحقبة الشيوعية، تحمل بين عقاربها حكايات تجمع بين التراث المحلي والتأثيرات الأوروبية، لتظل حتى يومنا هذا جزءًا من هوية المدينة.

في أواخر القرن التاسع عشر، جاء اللورد الإنجليزي *باجيت* (Lord Paget) إلى أشكودرا، وأُعجب بجمال المدينة وطبيعتها الفريدة. فاختار هذه البقعة لبناء منزل يشبه قلاع العصور الوسطى، مستوحى من الطراز الأوروبي الأرستقراطي.

لم يكن الموقع في الأصل سوى مستنقع يسبح فيه الإوز، ولكن برؤية باچيت، تحولت الأرض إلى “شاتو” إنجليزي جميل يطل على المدينة ويعكس الطابع المعماري الإنجليزي الأنيق. وحظي هذا القصر برعاية خاصة من نائب القنصل البريطاني *كولا سومة*، الذي تولى العناية به أثناء تنقلات باچيت بين إنجلترا وأشكودرا.

كان القصر يضم حوالي 15 إلى 16 غرفة، تطل على فناء داخلي تحيطه بوابة خشبية ضخمة محفور عليها شعار إنجلترا وزخارف تبرز جمال الفن الإنجليزي. وللدخول إلى القصر، كان عليك عبور هذه البوابة التي جاءت من خارج البلاد، ما يعكس حرصه على جلب الثقافة الأوروبية إلى قلب أشكودرا.

كان الهدف من بناء القصر في البداية أن يكون مركزًا للبروتستانتية، مع تخصيص جزء من المبنى كدور للعبادة؛ إذ تم تصميم الصالة الكبرى بلمسات شرقية، وزُين سقفها بالزخارف، وأضيف برج الساعة ليعمل كجرس ينبه لأوقات الصلوات. لكن هذه الطموحات واجهت رفضًا محليًا قويًا من رجال الدين الكاثوليك، وتدخلت السلطات العثمانية في النهاية، وسرعان ما تحول البرج إلى مجرد قصر سكني للورد الإنجليزي، لكنه، ظل معلمًا أثريًا يحمل الطابع الإنجليزي المميز.

ومع مرور الزمن، تحولت هذه الساعة إلى جزء من ذاكرة أهل أشكودرا، وأصبحت قصصها تُروى بين الأجيال، وحتى أخطاؤها في ضبط الوقت أضافت لمسة فكاهية جعلتها أكثر قربًا إلى قلوب الأهالي. لتبقى ساعة الإنجليزي كرمز ثقافي متأصل في وجدان أهل المدينة وشاهدة على تداخل الثقافات وتاريخ أشكودرا العريق.

  • “تراديتا”.. فندق متحفي يقدم دفء الضيافة في أجواء التراث

في قلب المدينة العريقة، تقف بناية تاريخية تحمل بين جدرانها قصصًا من القرن السابع عشر. تم بناء هذه البناية عام 1694 كمقر لعائلة تجارية أرستقراطية، لتصبح بعد قرون من الزمن فندقًا فخمًا يروي تاريخ ألبانيا ويقدم لزواره تجربة ضيافة لا مثيل لها.

مبنى فندق “تراديتا” القديم يجسد مزيجًا فريدًا من الإرث العثماني والتقاليد الألبانية العريقة. عندما تعبر بوابة الفندق، تجد نفسك في رحلة عبر الزمن، حيث تتناغم الأثاث التقليدي والزخارف الأصلية لتخلق أجواءً تأخذك إلى أعماق الثقافة الألبانية. في كل زاوية، يعيش الزوار تجربة شبيهة بالمتحف الحي، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة في تناغم ساحر.

كان المبنى الأصلي عبارة عن قاعة مركزية واسعة تحيط بها غرف التجارة، وفي يومنا هذا تحول إلى فندق يحتفظ بطابعه التقليدي. فتلك الزخارف الألبانية والأثاث العتيق في كل ركن من أركان الفندق تروي قصصًا عن الماضي العريق وتضفي لمسة سحرية على المكان.

إذا كنت من عشاق الثقافة، ستجد متحفًا إثنوغرافيًا يعرض لك تفاصيل دقيقة عن التراث الألباني، بالإضافة إلى متجر للهدايا التقليدية التي صنعت بأيدٍ ألبانية ماهرة، مما يجعل من كل زاوية في الفندق بمثابة صفحة مرئية عن تراث ألبانيا الثقافي.

الغرف في فندق “تراديتا” ليست مجرد مكان للنوم، بل هي امتداد حقيقي للرحلة الثقافية. تمتاز بتصميم أنيق يجمع بين الخشب الداكن والجدران البيضاء المزخرفة بأقمشة حمراء دافئة، مما يخلق جوًا من الراحة والدفء. الغرف مزينة بالأثاث التقليدي والقطع الأثرية التي تعكس التراث الألباني، مما يجعل الزوار يعيشون في قلب الثقافة المحلية.

ولا تكتمل تجربة الإقامة دون زيارة المطعم الذي يعتبر قلب الفندق النابض. حيث يُشعل الموقد الضخم في الساعة الحادية عشرة صباحًا لطهي الأطباق ببطء، مما يبرز النكهات الغنية ويوفر أجواء دافئة وجذابة. يظل الموقد مشتعلاً حتى مغادرة آخر ضيف، مما يجعل الزوار يغمرون في أسرار المطبخ الألباني المميز، حيث تلتقي التقاليد بالإبداع.

كما تُنظم فعاليات موسيقية حية كل أسبوع، تضيف جوًا من الفرح والاحتفالية، حيث يعزف الفنانون المحليون الموسيقى الألبانية التقليدية التي تنبض بالحياة، وتُعزز التجربة الثقافية الأصيلة التي يقدمها فندق تراديتا، لتمنح الزوار فرصة الاستمتاع بالتراث الألباني في كل لحظة من إقامتهم.

 

ممشى “كولي إدرومينو”.. قلب اشكودرا النابض بالحياة

يقع شارع كولي إدرومينو، أحد أشهر شوارع ألبانيا، في قلب المركز التاريخي لمدينة أشكودرا. يتميز الشارع بكونه مخصصًا للمشاة، حيث تمتد أرضيته المرصوفة بالأحجار الزخرفية على طول 800 متر، مما يمنحه طابعًا فريدًا يدمج بين التاريخ والحياة العصرية. تحول الشارع في السنوات الأخيرة إلى وجهة سياحية رئيسية، حيث تزدان مبانيه القديمة المُرممة وتحولت العديد منها إلى فنادق، مقاهي، ومتاجر، مما أضفى عليه حيوية وجاذبية خاصة.

 

  • تحفة مستوحاة من فنون البندقية: صُمم الشارع في أوائل القرن العشرين على يد الفنان والمعماري الألباني “كولي إدرومينو”، الذي تأثر بالعمارة الفينيسية خلال دراسته في البندقية. النتيجة كانت تحفة معمارية تعكس جمال الفن والابتكار، حيث تتزين مباني الشارع ذات الطراز الفينيسي بتفاصيل زخرفية دقيقة تُبرز قيمته الثقافية والمعمارية.
  • نيكولا إدرومينو.. فنانًا متعدد المواهب: كان نيكولا إدرومينو، المعروف على نطاق واسع باسم كول إدرومينو (1860 ـ 1939)، فنانًا متعدد المواهب. برع كرسام، نحات، مصور فوتوغرافي، مصمم ديكور، مصمم مشاهد مسرحية، موسيقي، ومعماري. كما يُعتبر أول ممثل للفن التشكيلي الحديث في ألبانيا، وقدم أولى العروض السينمائية في ألبانيا عام 1913. أما في مجال الهندسة المعمارية، فقد صمم ونفّذ أكثر من 60 مشروعًا رئيسيًا، شملت المباني الخاصة والعامة في مدينة أشكودرا.
  • عمارة كلاسيكية وأجواء ساحرة: يمتاز الشارع بمبانيه ذات الطابقين، ذات الأفنية الداخلية والنوافذ المزينة بتصاميم دقيقة. كما يضم الشارع أزقة ضيقة تتفرع منه، تضفي عليه أجواء رومانسية تتكامل مع إضاءته الليلية الهادئة. في أطرافه، يمكن للزوار الاستمتاع بمشهد يجمع بين مسجد أبيض أنيق وكنيستين أرثوذكسية وكاثوليكية قريبتين، مما يعكس التنوع الثقافي والديني للمدينة.
  • مركز ثقافي وفني: يتحول الشارع إلى ساحة للفنون والثقافة، حيث يتجمع الفنانون لرسم اللوحات في الهواء الطلق. كما يحتضن العديد من استوديوهات الرسم والتصوير، ويُعد موقعًا مثاليًا لإقامة الفعاليات الثقافية والمعارض الفنية طوال العام.
  • أهمية ثقافية متزايدة: في عام 2016، اختير أحد المباني العريقة في منتصف الشارع ليصبح مقرًا لمتحف “ماروبي الوطني للتصوير الفوتوغرافي”. يضم المتحف أرشيفًا نادرًا يوثق تاريخ مدينة أشكودرا من عام 1856 وحتى ستينيات القرن العشرين، مما يضيف قيمة ثقافية بارزة للشارع.
  • وجه ثقافي وفني:  يمثل هذا الشارع الوجه الثقافي والفني لمدينة أشكودرا، حيث يجمع بين عبق التراث وجمال العمارة في أجواء اجتماعية مميزة. زيارة الشارع تعد تجربة فريدة لكل من يبحث عن استكشاف تراث ألبانيا وثقافتها في قلب مدينة تاريخية ألبانية تطورت خلال الحقبة العثمانة وصبغ مركزها الحديث بطراز فينيسي أصيل مما يعكس التنوع الثقافي والمعماري الفريد لهذه المدينة العريقة.

الموسيقى في أشكودرا.. جسر فني بين الشرق والغرب

تعد اشكودرا واحدة من أبرز المناطق الألبانية التي تجسد غنى التراث الموسيقي الشعبي، حيث بدأت منذ القرن الثامن عشر في تشكيل هوية موسيقية مميزة تمزج بين التأثيرات الشرقية والتراث الأوروبي والمحلي، مما جعلها تمثل جسرًا فنيًا يربط بين مختلف الثقافات. هذا التداخل لا يظهر فقط في الألحان، بل يمتد إلى الأساليب الموسيقية التي تعكس مسارًا طويلًا من التأثير المتبادل بين الحضارات في المنطقة.

تتعدد الأنماط الموسيقية الشعبية في اشكودرا، بما في ذلك “اليارات” و”الأهينغ”، اللتان أسهمتا في تشكيل الهوية الفنية للمدينة. وتظهر في هذه الألحان تأثيرات الموسيقى العثمانية والبيزنطية والشرقية، جنبًا إلى جنب مع الطابع المحلي الألباني. هذه الموسيقى لا تعكس فقط روح المدينة، بل تمثل أيضًا جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية والمناسبات الاجتماعية، حيث كانت تُؤدى في المنازل التقليدية، تحت الأشجار، أو على المسارح الحديثة.

في هذا السياق، سنستعرض نوعين من الأغاني الشعبية في اشكودرا، والتي تمثل تفاعلًا ثقافيًا عميقًا شكل جسرًا حيويًا بين الشرق والغرب.

  • أغاني “الأهينغ” في اشكودرا.. تمازج ثقافي بين تأثيرات شرقية وأنماط محلية

تعكس أغاني “الأهينغ” في اشكودرا.. التداخل الفني بين الثقافتين الشرقية والمحلية في الموسيقى، وهو ما جعلها تتميز بخصوصية لا مثيل لها في الساحة الفنية الألبانية. بدأت بالظهور في أواخر القرن الثامن عشر واستمرت في التطور حتى أربعينيات القرن العشرين.

ما يميز هذا النوع من الأغاني أنه لم يتبع القالب التقليدي المحلي، بل تأثر بشكل واضح بالموسيقى الشرقية التي أضفت عليه طابعًا فريدًا. تم دمج الألحان الشرقية بأسلوب مبتكر مع التراث الموسيقي المحلي في أشكودرا، مما أتاح لفرقة الفنانين المعروفين بـ”أهينغجيت” إدخال عناصر إيقاعية ولحنية مستوحاة من بيئتهم وثقافتهم.

برزت أغاني “الأهينغ” كجزء أساسي من المناسبات الاجتماعية، مثل الأعراس والاحتفالات العائلية، حيث كانت تُؤدى في الأفنية والمنازل التقليدية وحتى تحت أشجار التوت. ومع مرور الوقت، تطورت لتجد لها مكانًا على المسارح، ومنصات الراديو، وشاشات التلفزيون، لتتحول إلى فن مستقل بذاته.

كانت آلة “الساز”، الوترية ذات الأصل الشرقي والمكونة من 10 أوتار، تُعد القلب النابض لهذه الأغاني، بفضل قدرتها على إنتاج مقامات موسيقية دقيقة ومتنوعة. بجانب “الساز”، برزت آلات أخرى مثل الكمان والدائرة، التي أضفت مزيدًا من العمق والإحساس للأداء الموسيقي.

اعتمد “الأهينغ” على نظام المقامات التركية، الذي كان له دور جوهري في تشكيل هويته الفريدة. ومن أبرز الفرق التي ساهمت في نشر هذا الفن العريق فرقة تأسست بقيادة الفنان “محمد شلاقو” في أواخر القرن الثامن عشر، وتُعد من أقدم المجموعات التي عُرفت في هذا المجال.

هذا الفن العريق ليس مجرد موسيقى، بل هو انعكاس لتاريخ طويل من التلاقح الثقافي والإبداع الفني في أشكودرا، حيث استمرت أغاني “الأهينغ” كجزء حي من ذاكرة المدينة وروحها الثقافية، وأضحت جزءًا لا يتجزأ من التراث الموسيقي الألباني.

  • “يارات” أشكودرا الساحرة.. مزيج جمع الأصالة الشرقية والحداثة الغربية

تعد “اليارات” نوعًا فريدًا من الأغاني الشعبية التي تشتهر بألحانها الواسعة والنغمات المطولة والمتلوية، وتمزج ببراعة بين الأصالة الشرقية والحداثة الغربية. وأصبحت هذه الأغاني جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية لشعب اشكودرا، حيث تعكس روح المدينة وثراء تراثها.

تتميز أغاني “اليارات” بتأثيرات المقامات الشرقية مثل الفريجيان والبيزنطية، مما يعكس التأثيرات العميقة للعهد العثماني، وتجمع بين التراثين الشرقي والغربي بشكل فني رائع. تتسم هذه الأغاني بتعقيدها الصوتي ومرونتها في الأداء، ويُرافقها عادةً آلة “الساز” الوترية التي تعزز جمالها وتضيف بعدًا موسيقيًا غنيًا ومعقدًا.

أصبحت “اليارات” جزءًا أساسيًا من الحياة الاجتماعية والروحية في اشكودرا، ورمزًا للإبداع الفني لهذا المجتمع. كما أن هذه الأغاني تستهوي الزوار الأجانب المهتمين بالتراث الموسيقي والفني، مما يجعل أشكودرا وجهة ثقافية وفنية هامة للمسافرين الذين يرغبون في استكشاف التنوع الثقافي والفني في ألبانيا.

 

جسر ميسي.. أحد جواهر العمارة العثمانية في ألبانيا

وختامًا لمسارنا السياحي في مدينة التاريخ العريق والطبيعة المدهشة نتوجه لخارج المدينة صوب شمالها الشرقي لنشاهد جوهرة معمارية عثمانية ونلتقي صور تذكارية فوقها في مشهد رائع خلاب يبقى معنا في ذاكرة الوجدان؛ إنه جسر ميسي، الذي يعد أحد أبرز معالم التراث التاريخي والثقافي في اشكودرا.

يقع الجسر في قرية ميس، على بعد حوالي 5 كم شمال شرق المدينة، ويعود تاريخه إلى عام 1768 عندما قام محمد باشا بوشاتي، أحد القادة العثمانيين، ببنائه. يُعتبر الجسر اليوم من أكبر الجسور العثمانية المتبقية في ألبانيا، وقد تم تصنيفه كمعلم ثقافي من الدرجة الأولى نظرًا لأهميته المعمارية والتاريخية.

يتميز جسر ميسي بموقعه المدهش الذي يمر فوق نهر كير، حيث ينساب الماء الصافي أسفله، مما يضيف جمالًا طبيعيًا رائعًا إلى المشهد. يتكون الجسر من 13 قوسًا غير متماثل، ويبلغ طوله 108 أمتار وعرضه 3.4 مترًا، مما يجعله واحدًا من أطول الجسور العثمانية في المنطقة.

يعتبر البناء باستخدام الحجر والجير المطفأ دون اللجوء إلى الأسمنت أو الحديد من سمات الجسر الفريدة، مما يعكس براعة مهندسي العهد العثماني في إنشاء هياكل معمارية قوية ومستدامة.

تم بناء الجسر على مرحلتين: حيث تم في المرحلة الأولى بناء القوس المركزي وثلاثة أقواس أخرى، ثم في المرحلة الثانية تمت إضافة الأقواس الصغيرة على جانبي الجسر بعد أن غمر نهر كير الجسر.

اليوم، يُعد جسر ميسي مقصدًا سياحيًا رئيسيًا، حيث يستقطب العديد من السياح الذين يأتون للاستمتاع بجماله المعماري والتاريخي. وقد وصفت وزيرة الثقافة الألبانية، إيلفا مارغاريتي، الجسر بأنه “أحد جواهر العمارة والتراث الثقافي في بلادنا”، مؤكدة أنه “لا يمكن اكتمال زيارة أشكودرا دون التقاط صورة على جسر ميسي”. الجسر يستقبل يوميًا مئات الزوار.

يُعتبر جسر ميسي رمزًا حضاريًا يشهد على مهارة المهندسين العثمانيين في تلك الحقبة، ويظل مثالًا على تقنيات البناء التي اتبعها العثمانيون في تصميم وإنشاء المنشآت المعمارية المدهشة.

في الختام، تُعد اشكودرا مدينة غنية بالتراث والتاريخ، حيث يتناغم الماضي مع الحاضر في كل زاوية من زواياها. من المعالم الأثرية التي تعود إلى العصور القديمة إلى الفنون الشعبية التي تمثل تمازجًا ثقافيًا فريدًا، تقدم أشكودرا لزوارها تجربة سياحية لا مثيل لها. إن زيارة هذه المدينة هي بمثابة رحلة عبر الزمن، حيث يمكن للزوار استكشاف ماضيها العريق والاستمتاع بجمالها الطبيعي. وأخيرًا، تُعد أشكودرا رمزًا للهوية الألبانية ولروح الإبداع الذي يجمع بين الأثر التاريخي والتنوع الثقافي، مما يجعلها واحدة من أبرز الوجهات السياحية في ألبانيا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version