لأنه ضليعٌ في اللغة، وبديعٌ في الأدب، وطليعيُّ الثقافة، نجح الشاعر عبدالمحسن يوسف في لفت انتباه بواكير الحداثة، لصوته النقي؛ غير المُدجّن، والتنبؤ بمستقبل شعري لصاحب (سفينتي حجر) وربما كانت دعوته لأمسية (موتيلات الباحة) منتصف الثمانينات الميلادية من قرن مضى؛ تزكية من الكبيرين محمد العلي، وعلي الدميني، بسقوط نيزكٍ في القلب.

لم ينشغل (أبو محمد) شأن بعض أقرانه بالاستقواء بطلائع جنى موهبته؛ ولم يستغن بشهادات الرموز، عن بذل الروح للقصيدة والجمال؛ وبما أنه أحاط عنقه بجميل الكبار، فسرعان ما غدا كبيراً؛ يحتفي بأصوات يانعة تسكن أطراف بلاد نائية جداً عن المراكز، فخصص صفحات؛ وملاحق في «عكاظ» ثم الوطن ثم الشرق، فكان يتلقى مشاركات من أطياف ومشارب، ويتسلم رسائل الفاكس من أسماء لا يعرفها شخصياً؛ ولم يسبق له أن التقى بها من قبل، إلا أن حاسته الشفيفة، وذائقته الراقية، انشغلت بالافتتان بأقلام واعدة، وترنيمات حالمة، أحسن بها الظنّ؛ وبشّر بقدومها؛ رداً لجميل أسداه إليه سابقوه؛ ولعله لم يخب ظنه، ولم تنكسر بشارته.

ولأن النقاء في الصوت والوعي والعطاء لا يذهب أدراج الشتات؛ ولا تتنكر له أصلي الجهات، انتبهت (أيقونات عربية) للصحفي العاشق لمهنته، والمبدع النابتة كلماته من أديم البكارات، وأنصفته بالإشادة والإهداءات، فنمت أغصان وأجنحة لعصفور الكتابة، وأنعش ذاكرة البحر، بالوفاء للبئر الأولى، وهو متكئ على شُرفةِ أُغنية.

أصدر (الفنار الفرساني) المجموعات الشعرية، (ما يشبه آمالاً زهيدة) ليؤكد أنه السخيُّ الذي يذخر لك الغيوم وهو في مسغبة، ولأنه يتواضع في حضرة الحُسن أصدر (يداي فارغتان نخيلكِ مُثقل) ولشدة تعلقه بوجدانيات العرفانيين؛ اختار من تراث جلال الدين الرومي (قامر برأسه كأنه الوردة) وبحكم عشقه المتجدد للاخضرار تتبع (حدائق الآخرين) ليروي لنا كيف وصل الأدب العالمي طازجاً إلى العربية.

ولأن نافذة قلبه مواربة؛ تسربت نسمات القصيدة الأجمل؛ كرائحة القهوة؛ إلى فؤاده الممتلئ محبةً وعشقاً؛ وبقايا النعاس لم يبرح صباح الخير، ليأخذ «مطر كسول» بأبواب محبيه ويشرع بهم في البحر.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version