أعلنت “هواوي” في الأسابيع الماضية نيتها التخلي عن نظام “أندرويد” والاعتماد الكلي على نظام “هارموني” الذي طورته الشركة منذ عدة أعوام عقب تطبيق العقوبات الأميركية الأخيرة، وبحسب الإعلان، فإن باكورة الهواتف التي تعتمد على هذا النظام تكون أجهزة “ميت 70” (Mate 70).

وتضمن إعلان “هواوي” تفاصيل أكثر عن هذه الخطوة، إذ تنوي الشركة ترك الخيار أمام المستخدمين، إما الاعتماد على أنظمة “هارموني” القديمة أو نظام “هارموني” الجديد، مما يطرح سؤالًا محوريا حول الفارق بين هذين النظامين، خاصة أن الشركة تعتمد على هذا الاسم منذ بدء العقوبات الأميركية.

نظام “هارموني” جديد تماما

في إعلانها الأخير، أعطت “هواوي” النظام الجديد اسم “هارموني أو إس نيكست” (Harmony OS Next) في إشارة واضحة للتمييز بينه وبين النظام الذي كان مستخدما من قبل في هواتفها، أي “هارموني أو إس ليغاسي” (Harmony OS Legacy)، وبينما تبدو هذه الخطوة تسويقية أكثر من كونها خطوة حقيقية مؤثرة في وضع وشكل الجهاز، فإنها تعكس الاختلاف بين النظامين.

ويعد توضيح الاختلاف بين النظامين أمرا مهما لدى “هواوي” لعدة أسباب، في مقدمتها توضيح الجهد المبذول في تطوير النظام الجديد وقدراته، فضلا عن التمهيد للعملاء بأن التجربة القديمة التي كانوا يعتمدون فيها على تطبيقات “أندرويد” قد انتهت للأبد، وأن المستقبل الآن للنظام الجديد والتطبيقات التي يتم تطويرها خصيصا لها، وذلك رغم أن الشركة تعرض على المستخدمين البقاء على النظام القديم في الوقت الحالي، ولكن من المتوقع أن ينتهي هذا العرض مع نضج النظام الجديد والتطبيقات التي تستخدمه.

ولكن ما الاختلاف بين نظام “هارموني” القديم والجديد؟ وكيف كانت “هواوي” تشغل هواتفها قبل الإعلان عن النظام الجديد؟

انفصال جزئي عن “أندرويد”

من أجل فهم وتوضيح الفارق بين النظام الجديد والقديم، يجب توضيح الأسلوب الذي اتبعته “هواوي” سابقا في تطوير “هارموني”، وكيف كانت قادرة على تشغيل بعض تطبيقات “أندرويد” والاستفادة من بعض مزاياه دون الأخرى.

ففي عام 2021، ومع بلوغ الأزمة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين ذروتها، أعلنت حكومة ترامب السابقة ضم شركة “هواوي” لقائمة الشركات الصينية السوداء التي يحظر التعامل معها، وهذا في إشارة واضحة لجميع الشركات الأميركية بإيقاف تعاملاتها التجارية مع “هواوي”.

وتأثرت “هواوي” آنذاك بالعقوبات بشكل كبير، إذ فقدت الشركة فجأة قدرتها على الوصول إلى الشرائح الرائدة المستخدمة في جميع الأجهزة المنافسة، فضلا عن خسارتها لنظام “أندرويد” الذي كان مسؤولا عن تشغيل كافة أجهزة الشركة المحمولة.

ورغم أن نظام “أندرويد” في حد ذاته يعد نظاما مفتوح المصدر يمكن لأي شركة من أي مكان في العالم تحميله وتطويعه ليناسب استخداماتها، فإن “غوغل” تمكنت من دمج خدماتها في نواة النظام بالكامل، أي أن استخدام خدمات “غوغل” المختلفة هو الوسيلة الوحيدة للاستفادة من خدمات “أندرويد”.

ولذلك نجد أن المتجر الرسمي للنظام هو “غوغل بلاي” وأن الآلية الوحيدة لتسجيل الدخول في النظام هو استخدام حسابات البريد الإلكتروني من “غوغل”، كما أن العديد من الخدمات الأمنية والتقنيات المتطورة في النظام تعود ملكيتها للشركة، وإذا قررت “غوغل” حظر إحدى الشركات من الوصول لخدماتها، فهذا يعني أنها لن تستطيع استخدام نظام “أندرويد” بكامل مزاياه.

ميدان - موبايل هواوي

ولكن “هواوي” تمكنت من إيجاد ثغرة بديلة للاستفادة بشكل جزئي من خدمات “غوغل” ونظام “أندرويد”، إذ عدلت نسخا من نظام “أندرويد” تدعى “إيه أو إس بي” (AOSP)، وهي نسخة مفتوحة المصدر معدلة للنظام تعد أخف وزنا وأسهل في الاستخدام من النسخ الخاصة بمصنعي الهواتف المحمولة، وتركت ثغرة في النظام تمكن المستخدمين من تثبيت خدمات “غوغل” بشكل بدائي، واستمر الوضع هكذا حتى تمكنت الشركة من تطوير النسخة الأولى لنظام “هارموني” الخاص بها.

اعتمدت النسخة الأولى من نظام “هارموني” على نواة “أندرويد”، ولكن أضافت عليها مجموعة من الخدمات الخاصة بشركة “هواوي” وهي تضم العديد من مزايا النظام الجانبية، بدءا من متجر التطبيقات الموجود في الهاتف وحتى الطبقات الأمنية والواجهة البرمجية، وعبر الدعم المفرط للمطورين، تمكنت الشركة من إقناع عدة مطورين من بناء تطبيقاتهم خصيصا للعمل مع هذه البيئة الجديدة.

والآن، تقوم “هواوي” بالتخلي عن هذه البيئة تماما، وإطلاق نسخة خاصة بها من نظام “هارموني”، ورغم أن النسخة الجديد من النظام قد تحمل الواجهة ذاتها، فإن آلية عمل التطبيقات والواجهات البرمجية فضلا عن الواجهة الأمنية المستخدمة في النظام هي خاصة بالشركة، وتختلف عن النسخ القديمة وعن “أندرويد” تماما.

ما الاختلافات بين “هارموني نيكست” والنظام القديم؟

على عكس النسخ القديمة من النظام، فإن “نيكست” يعتمد على نظام جديد بشكل كامل ينفصل كليا عن “أندرويد” ويختلف عنه في طريقة العمل، أي أن المستخدم لن يكون قادرا على تثبيت تطبيقات “أندرويد” على النظام الجديد كما كان يحدث.

ويختلف النظام الجديد في آلية العمل البرمجية عن النظام القديم بشكل كامل، إذ يتضمن تفاصيل تقنية عديدة، لكن الاختلاف الأبرز هو في آلية عمل وتصميم “النواة” (Kernel)، إذ يعتمد نظام “أندرويد” المعتاد على نواة تضم نظام الملفات وبقية المكونات الأساسية لتشغيل الهاتف، مثل آلية تشغيل الشبكة والكاميرا وغيرها من هذه الجوانب.

ولأن نواة “أندرويد” تضم كثيرا من المعلومات، فإنها عادة تكون كبيرة الحجم، وتطلب قوة حاسوبية كبيرة من أجل تشغيلها والاستفادة منها بشكل كامل، وهو ما يضمن أن تدعم النواة أداء رائدا من الهواتف ذات المواصفات الرائدة، ولكنه يقدم تحديا جوهريا عند محاولة توسيع رقعة دعم النظام لتشمل منتجات وأجهزة غير الهواتف الذكية، ولا تملك قوة حاسوبية مماثلة لها، مثل السيارات الذكية والأجهزة المنزلية الذكية أو حتى الساعات الذكية.

“هواوي” قررت اتباع أسلوب مختلف مع النواة الخاصة بها، إذ خفضت حجم النواة لتضم المعلومات والعمليات الضرورية لتشغيل النظام وترك المزايا والعمليات المعقدة ليتم تثبيتها مع النظام دون النواة، ورغم أن هذا الأسلوب يوفر حرية أكبر لتثبيت نظام “هارموني” في مختلف الأجهزة، فإنه يؤثر على أداء النظام وقدرته على الاستفادة من القوة العتادية لأي جهاز يتم تثبيته فيه.

نظام متكامل لأجهزة “هواوي”

يتيح الاعتماد على النواة الدقيقة أو المصغرة لشركة “هواوي” استخدام نظام “هارموني” مع أي جهاز يرغبون فيه، بدءا من الهواتف ذات المواصفات الرائدة وحتى الأجهزة التي تفتقر إلى القوة الحاسوبية مثل السيارات الذكية وأجهزة المنزل الذكي، وبالطبع الأجهزة القابلة للارتداء، ويعكس هذا خطة “هواوي” المستقبلية لتوسيع نظامها البيئي ليشمل كافة الأجهزة التي تنتجها الشركة.

كما تتسق هذه الخطة مع جهود الشركة في طرح السيارات الكهربائية الذكية والدخول إلى العديد من قطاعات الأجهزة المنزلية الذكية والحواسيب الذكية، ويمكن القول إن ما تحاول “هواوي” فعله هو توسيع فكرة النظام المتكامل الذي تقدمه “آبل” ليشمل العديد من المنتجات التي لا تدعمها “آبل”، مثل السيارات والثلاجات وأجهزة التلفاز وغيرها.

ويتيح هذا الأمر تجربة أكثر توسعا وتنوعا للمستخدمين في مختلف القطاعات حول العالم، كما يتيح للشركة توحيد تجربة الاستخدام بين مختلف أجهزتها، فضلا عن إمكانية التحكم في أي جهاز عبر الهاتف ونقل بيانات المستخدم من الهاتف إلى الجهاز الآخر بكل سهولة ويسر، وهو الأمر الذي يبرز بوضوح في الحواسيب اللوحية والمحمولة التابعة للشركة.

تحديات جمّة

نظريا، يوفر نظام “هارموني نيكست” مزايا عديدة لأجهزة “هواوي” المتنوعة خاصة مع التركيز على التجربة الموحدة بين الأجهزة المختلفة، وهو أمر بدأ العديد من المستخدمين في البحث عنه، وتحاول الشركات جاهدة تلبية هذا الجانب.

ولكن، الانتقال إلى بيئة عمل ونواة مختلفة عن “أندرويد” يأتي مع تحدياته، إذ أصبح من اللازم على المطورين العمل لبناء تطبيقات جديدة تلائم نظام التشغيل الجديد “هارموني”، وذلك بدلا من الاعتماد على تطوير تطبيقات “أندرويد”، وهو ما يمثل حملا إضافيا على المطورين الذين يحتاجون لبناء تطبيقات تلائم 3 أنظمة تشغيل رئيسية الآن، “هارموني” و”أندرويد” و”آي أو إس”.

كما يضع هذا الأمر حملا على المستخدمين الذين يجب عليهم البحث عن التطبيق المناسب الذي يرغبون فيه والتأكد من وجوده في متجر تطبيقات “هارموني” قبل تثبيته، ورغم أن الشركة بذلت جهدا كبيرا في السنين الماضية لتوسيع رقعة الدعم الخاصة بمتجر تطبيقات “هارموني” فضلا عن إعلانها دعم 100 ألف تطبيق بحلول عام 2025.

فإن هذا لا يعني أن بعض التطبيقات لن تكون موجودة، ليتحول الأمر إلى محاولة من المستخدمين لاختيار تطبيقات ملائمة تعمل مع متجر تطبيقات “هارموني” بدلا من الاعتماد على التطبيقات الموجودة في “أندرويد”، وبشكل عام لا يمكن الحكم على هذا الأمر قبل الطرح الفعلي للنظام والبدء في تجربته.

هل ينجح “هارموني” خارج الصين؟

إعلان “هواوي” عن النظام الجديد أشار ضمنيا إلى أن الطرح الأول للنظام والهواتف التي تدعمه سيكون في الصين خلال العام المقبل، ورغم حجم السوق الصيني وشعبية الشركة وهواتفها داخله، فإنه من الصعب الاعتماد عليه بمفرده من أجل تحقيق النجاح التجاري.

لذا فإن التحدي الحقيقي أمام “هواوي” يكمن خارج الأسواق الصينية، ومحاولة الشركة الترويج لهواتفها والنظام في تلك الدول، ويعد ما حدث في مصر منذ الكشف عن الجيل الأول للنظام دليلا على نية الشركة توسيع رقعة الدعم، إذ تعاونت مع كبار المطورين في مختلف القطاعات من أجل جلب تطبيقاتهم إلى متجر “هارموني”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version